وقال شهاب الدِّين : ولا يعني الزمخشري بقوله :« إنَّ العامل أغْشِيَتْ »، إلاَّ أن الموصوف، وهو « قِطْعاً » معمول ل « أغْشِيَتْ »، والعامل في الموصوف هو عاملٌ في الصِّفة.
قال شهاب الدين : والصِّفةُ هي « مِنَ الليل » فهي معمولةٌ ل « أغْشِيَتْ »، وهي صاحبةُ الحال، والعامل في الحالِ هو العاملُ في ذي الحال، فجاء من ذلك أنَّ العامل في احال هو العاملُ في صاحبها بهذه الطريقة، ويجوز أن يكون « قِطْعاً » : جمع قِطْعَة، أي : اسم جنسٍ لها، فيجُوزُ حينئذٍ وصفُه بالتَّذكير، نحو :﴿ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾ [ القمر : ٢٠ ]، والتأنيث، نحو :﴿ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٧ ].
وأمَّا قراءة الباقين، فقال مكِّي، وغيره : إنَّ « مظلماً » حالٌ من « اللَّيْلِ » فقط، ولا يجوز أن يكون صفة ل « قِطعاً »، ولا حالاً منه، ولا من الضمير في « مِنَ اللَّيل » ؛ لأنَّه كان يجبُ أن يقال فيه : مظلمةٌ، يعنُون : أنَّ الموصوف حينئذ جمعٌ، وكذا صاحب الحال، فتجب المطابقةُ. وأجاز بعضهم ما منعهُ هؤلاء، وقالوا : جَازَ ذلك؛ لأنَّه في معنى الكثير، وهذا فيه تعسُّفٌ.
وقرأ أبيٌّ « يَغْشَى وجوههم قطع » بالرفع، و « مُظْلمٌ »، وقرأ ابن أبي عبلة كذلك، إلاَّ أنَّه فتح الطَّاء. وإذا جعلتَ « مُظْلماً »، نعتاً ل « قِطْعاً »، فتكون قد قدَّمتَ النَّعْتَ غير الصَّريح على الصَّريح.
قال ابن عطيَّة : فإذا كان نعتاً - يعني : مُظلماً : نعتاً لقطع - فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيء بعد هذا، وتقدير الجملة : قطعاً استقرَّ مظلماً، على نحو قوله :﴿ وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ [ الأنعام : ٩٢ ].
قال أبو حيَّان :« ولا يتعيَّن تقدير العامل في المجرور بالفعل، فيكون جملة، بل الظاهرُ تقديره باسم الفاعل، فيكون من قبيل الوصف بالمفرد، والتقدير : قطعاً كائناً من اللَّيل مُظْلِماً ».
قال شهاب الدِّين :« المحذُورُ تقديمُ غير الصَّريح على الصَّريح، ولو كان مُقدَّراً بمفرد »، و « قِطَعاً » : منصوبٌ ب « أغْشِيتْ »، مفعولاً ثانياً.
فصل
المعنى :﴿ والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ﴾ ؛ لقوله :﴿ وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ].
والفرق بين الحسنات والسيئات : أنَّه إذا زاد في الحسنات يكون تفضُّلاً، وذلك حسن، وفيه ترغيبٌ في الطَّاعة، وأمَّا الزِّيادة على قدر الاستحقاق على السيئات، فهو ظلمٌ، والله منزله عنه، ثم قال :﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ أي : هوانٌ وتحقير ﴿ مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ ﴾ أي : ما لهم عاصمٌ من الله في الدُّنيا، ولا في الآخرة، ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ ﴾ أي : أُلْبِسَتْ وجوههم، ﴿ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً ﴾ والمراد : سوادُ الوجه.