٢٩٠٤- مَنْ نَثْقَفَنْ مِنهُمْ فليْسَ بآيبٍ أبَداً وقَتْلُ بَنِي قُتَيبةَ شَافِي
قال ابن خروف : أجاز سيبويه : الإتيان ب « ما »، وألاَّ يؤتى بها، والإتيانُ بالنون مع « ما »، وألاَّ يؤتى بها، والإراءَةُ هنا بصريَّة؛ ولذلك تعدَّى الفعلُ إلى اثنينِ بالهمزة، أي : نجعلك رائياً بعض الموعُودين، أو بمعنى : الذي نعدُهم من العذاب، أو نتوفَّيَنَّكَ قبل أن نُريكَ ذلك، فإنَّك ستراه في الآخرة.
قال مجاهد : فكان البعضُ الذي رآه قتلهم ببدر، وسائر أنواع العذاب بعد موته.
قوله :﴿ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾ مبتدأ وخبر، وفيه وجهان :
أظهرهما : أنَّه جوابٌ للشَّرطِ، وما عُطِفَ عليه، إذ معناه صالحٌ لذلك، وإلى هذا ذهب الحوفيُّ، وابنُ عطيَّة.
والثاني : أنَّهُ جوابٌ لقوله :« أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ »، وجواب الأول محذُوف.
قال الزمخشري :« كأنَّه قيل : وإمَّا نُرينَّكَ بعضَ الذي نعدهُم فذاك، أو نتوفَّينَّك قبل أن نُريك، فنحن نُريك في الآخرة ».
قال أبو حيَّان :« فجعل الزمخشريُّ في الكلام شرطين لهما جوابان، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف؛ لأنَّ قوله :﴿ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾ صالحٌ لأن يكون جواباً للشَّرطِ، والمعطوف عليه، وأيضاً : فقول الزمخشريّ :» فذاك « هو اسمٌ مفردٌ، لا ينعقدُ منه جوابُ شرطٍ، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يصح منها جواب الشرط، إذ لا يفهمُ من قوله :» فَذَاكَ « الجزء الذي حذف، وهو الذي تحصل به فائدة الإسناد ».
قال شهاب الدِّين :« قد تقرَّر : أنَّ اسم الإشارة قد يُشار به إلى شيئين فأكثر، وهو بلفظِ الإفراد؛ فكأ، َّ ذاكَ واقعٌ موقع الجملة الواقعة جواباً، ويجُوزُ أن يكون قد حُذف الخبرُ؛ لدلالةِ المعنى عليه، إذ التَّقديرُ : فذاك المرادُ، أو المتمنَّى، أو نحوه ».
وقوله :« إذْ لا يُفْهم الجزء الذي حذف » إلى آخره، ممنوعٌ، بل هو مفهومٌ كما بينا؛ وهو شيءٌ يتبادر إلى الذِّهن.
قوله :﴿ ثُمَّ الله شَهِيدٌ ﴾ « ثم » ليست هنا للتَّرتيب الزَّماني، بل هي لترتيب الأخبار، لا لترتيب القصص في أنفسها، قال أبو البقاء :« كقولك : زيدٌ عالمٌ، ثم هو كريم ».
وقال الزمخشريُّ :« فإن قلت : الله شهيدٌ على ما يفعلُون في الدَّاريْن، فما معنى » ثم « ؟.
قلت : ذكرت الشهادة، والمراد : مقتضاها، ونيتجتها، وهو العقاب؛ كأنَّه قيل : ثم الله معاقبٌ على ما يفعلون »
.
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة :« ثَمَّ » بفتح الثاء، جعله ظرفاً لشهادة الله؛ فيكون « ثَمَّ » منصوباً ب « شَهِيدٌ » أي : اللهُ شهيدٌ عليهم في ذلك المكان، وهو مكانُ حشرهم، ويجوز أن يكون ظرفاً لِ « مَرْجعُهم » أي : فإليْنَا مرْجِعُهم، يعني : رجوعهم في ذلك المكانِ، الذي يُثَاب فيه المُحْسِن، ويعاقبُ فيه المُسيء.


الصفحة التالية
Icon