قال أبو حيَّان :« وليس كما ذكر؛ لأنَّ استعلم لا يحفظ كونها متعدِّيةٌ إلى مفاعيل ثلاثةٍ، لا يحفظ » استعملتُ زيداص عمراً قائماً « فتكون جملةُ الاستفهام سدَّت مسدَّ المفعولين، ولا يلزمُ من كونها بمعنى » يَسْتعْلمونك « أن تتعدَّى إلى ثلاثة؛ لأنَّ » استعْلَم « لا يتعدَّى إلى ثلاثةٍ، كما ذكرنا ».
وقد سبق ابن عطية إلى هذا مكِّيٌّ، كما تقدَّم عنه والظاهرُ جوازُ ذلك، ويكون التَّعدِّي إلى ثالثٍ قد حصل بالسِّين؛ لأنَّهم نصُّوا على أنَّ السِّين تعدي، فيكون الأصل :« عَلِمَ زيدٌ عمراً قائماً » ثم تقول :« اسْتعلمْتُ زيداً عمراً قائماً » إلاَّ أنَّ النحويِّين نصُّوا على أنَّه لا يتعدَّى إلى ثلاثةٍ إلاَّ « عَلِمَ » و « رأى » المنقولين بخصوصية همزةِ التعدِّي إلى ثالثٍ، وأنْبَأ، ونَبَّأ، وأخبر، وخبَّر وحدَّث، وقرأ الأعمش :« آلحقُّ » بلام التعريف، قال الزمخشري :« وهو أدخَلُ في الاستهزاء، لتضمُّنه معنى التعريض، فإنه باطلٌ؛ وذلك لأنَّ اللاًَّم للجنس، فكأنه قال : أهُو الحق لا الباطلُ، أو : أو الذي سمَّيتُمُوه الحق » والضمير، أعني :« هو » عائدٌ إمَّا على العذاب، أو على الشَّرع، أو على القرآن، أو على الوعيد، أو على أمر السَّاعة.
قوله :« إي وربِّي » « إي » حرف جوابٍ بمعنى « نعم » ولكنَّها تختصُّ بالقسم، أي : لا تُستعمل إلاَّ في القسم بخلافِ « نعم ».
قال الزمخشري :« وإي : بمعنى نعم في القسم خاصةً؛ كما كان » هَلْ « بمعنى » قَدْ « في الاستفهام خاصَّة، وسمِعْتُهُم يقولون في التَّصديق » إيْوَ « فيَصِلُونَه بواو القسم، ولا ينْطِقُون به وحده ».
قال أبو حيَّان :« لا حُجَّة فيما سمعه لعدمِ الحُجَّة في كلام من سمعهُ؛ لفسادِ كلامه وكلام من قبله بأزمانٍ كثيرة ».
وقال ابن عطيَّة :« هي لفظةٌ تتقدَّم القسم بمعنى : نعم، ويجيءُ بعدها حرفُ القسم وقد لا يجيءُ، تقول : إي وربِّي وإي رَبِّي ».
قوله :﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ يجوزُ أن تكون الحجازيَّة وأن تكون التميميَّة؛ لخفاء النَّصْبِ، أو الرفع في الخبر.
وهذا عند غير الفارسي، وأتباعه، أعني : جواز زيادة الباء في خبر التميمية، وهذه الجملة تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون معطوفة على جواب القسم؛ فيكون قد أجاب القسم بجملتين؛ إحداهما : مثبتةٌ مؤكَّدةٌ ب « إنَّ واللاَّم، والأخرى : منفيةٌ مؤكَّدةٌ بزيادة الباءِ.
والثاني : أنَّها مستأنفةٌ، سيقت للإخبار بعجزهم عن التَّعجيز، و »
مُعْجَِز « من أعجز، فهو متعدِّ لواحدٍ، كقوله - تعالى - :﴿ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً ﴾ [ الجن : ١٢ ] فالمعفول هنا محذوفٌ، أي : بمعجزين الله، وقال الزجاج :» أي : أنتم ممَّن يُعْجِزُ من يُعذِّبُكم «، ويجوز أن يكون استعمل استعمال اللازم؛ لأنَّه قد كثر فيه حذفُ المفعول، حتَّى قالت العرب :» أعْجَزَ فلانٌ « إذا ذهب في الأرض فلمْ يُقدر عليه، قال بعض المُفَسِّرين : المعنى : ما أنتم بمُعْجزين، أي : بفَائتينَ من العذاب؛ لأنَّ من عجز عن شيءٍ، فقد فاتهُ.


الصفحة التالية
Icon