﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ] وفيه نظر من حيث إن « دُونَ » ليس بخبر.
قوله :﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات ﴾ أي : عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسناتِ، وهي : النِّعمُ والخصبُ، والعافيةُ، والسَّيِّئاتِ وهي الجدب، والشَّدائدُ.
قال أهل المعاني : وكُلُّ واحدةٍ من الحسناتِ والسيئاتِ تدعُو إلى الطَّاعة، أمَّا النعم فللترغيب، وأمَّا النِّقَمُ فللترهيب.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ : لكي يندموا ويتوبوا ويرجعوا إلى طاعة ربِّهم.
قوله :﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب ﴾ الآية.
الخَلَف والخَلْف - بفتح اللام وإسكانها - هل هما بمعنىً واحد؟ أي : يُطلقُ منهما على القرن الذي يَخْلُف غيره صالحاً أو طالحاً، أو أنَّ السَّاكن اللام في الطَّالح، اولمفتوح في الصَّالح؟ خلافٌ مشهور بين اللُّغويين.
قال الفرَّاءُ : يُقال للقرنِ « خَلْف » يعني ساكناً ولمن استخلفته : خَلَفاً، يعني : متحرك اللاَّم.
وقال الزجاج : الخلفُ ما أخلْفَ عليك بدلاً مِمَّا أخذ منك؛ فلهذا السبب يقالُ للقرنِ يجيء بعد القرنِ « خَلْفٌ ».
وقال ثعلبُ : النَّاسُ كلُّهم يقولون « خَلَفُ صدْقٍ » للصَّالح، و « خَلْفُ سوء » للطَّالح؛ وأنشد :[ الكامل ]

٢٦٢٦- خَلَّفْتَ خَلْفاً ولمْ تدعْ خَلَفَا لَيْتَ بِهِمْ كانَ لا بِكَ التَّلَفَا
وقال بعضهم : قد يجيء في الرَّديء « خَلَفَ » بالفتح، وفي الجيد « خَلْف » بالسُّكُون، فمن مجيء الأول قوله :[ المتقارب ]
٢٦٠٨ -...................... إلى ذلِك الخَلَفِ الأعوَرِ
_@_ومن مجيء الثاني قول حسان :[ الطويل ]
٢٦٠٩ - لَنَا القدَمُ الأولى عليْهِمْ وخَلْفُنَا لأوَّلِنَا في طاعةِ اللَّهِ تَابِعُ
وقد جمع بينهما الشَّاعِرُ في قوله :[ الرجز ]
٢٦١٠ - إنَّا وَجدْنَا خَلْفنَا بِئْسَ الخَلَفْ عَبْداً إذا ما نَاءَ بالحِمْلِ خَضَفْ
فاستعمل السَّاكن والمتحرك في الرَّديء.
ولهذا قال النَّضْرُ : يجوزُ التَّحريم والسُّكونُ في الرَّديء، فأمَّا الجيدُ فبالتحريك فقط ووافقه جماعةٌ من أهْلِ اللُّغة، إلاَّ الفرَّاء وأبا عبيدٍ، فإنَّهُمَا أجازا السكون في الخلف المراد به الصالح، و « الخَلْف » بالسُّكون فيه وجهان، أحدهما : أنَّهُ مصدر، ولذلك لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ ولا يُؤنَّث، وعليه ما تقدَّم من قوله :
٢٦١١ - إنَّا وَجَدُنَا خَلْفَنَا بئس الخَلَفْ... وإمَّا اسم جمع « خالفِ » ك : رَكْب لراكب، وتَجْر لِتَاجِرٍ.
وإمَّا اسم جمع « خالِف » ك : رَكْب لراكب، وتَجْر لِتَاجِرٍ.
قاله ابنُ الأنباري : ورَدُّه عليه، بأنَّهُ لو كان اسمَ جمع لم يَجْرِ على المفرد، وقد جرى عليه واشتقاقه إمَّا من الخلافةِ، أي كُلُّ خلفٍ يَخْلُفُ من قبله، وإمَّا من خلفَ النبيذ يَخْلُفُ أي : فَسَدَ.
يقال : خَلَفَ النَّبيذُ يَخْلُفُ خَلْفاً وخُلُوفاً، وكذلك الفَمُ إذا تغيَّرت رائحتُهُ ومن ذلك الحديث « لَخُلُوفُ فمِ الصَّائم ».
وقوله :« وَرِثُوا » في محل رفع نعتاً ل « خَلْف » ويَأخُذُونَ حال من فاعل وَرِثُوا.
وقرأ الحسنَ البصري : وُرِّثُوا بضمِّ الواو وتشديد الرَّاءِ مبنيّاً لما لم يُسَمَّ فاعله، والمعنى انتقل إليهم الكتابُ من آبائهم وهو التَّوراةُ، ويجوز أن يكون : يَأخُذُونَ مستأنفاً أخبر عنهم بذلك.


الصفحة التالية
Icon