٢٦٢٤ - تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ أبيكَ فِينَا | فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أبيكَ زَادَا |
٢٦٢٥ - تَخَيَّرَهُ ولَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ | فَنِعْمَ المَرْءُ مِن رَجُلٍ تِهَامِي |
فصل
قال اللَّيْثُ : سَاءَ يَسُوءُ : فعلٌ لازمٌ ومتعد، يقالك ساء الشَّيءُ يَسُوء فهو سيّىءٌ وسَاءَه يَسُوءُهُ مَسَاءَةً، إذا قبح.
فإن قيل : ظاهر قوله :« سَاءَ مَثَلاً » يقتضي كون ذلك المثل موصوفاً بالسُّوء، وذلك غير جائز؛ لأن هذا المثل ذكره الله تعالى، فكيف يكون موصوفاً بالسُّوء؟ وأيضاً فهو يفيد الزجر عن الكُفرِ والدَّعوة إلى الإيمان، فكيف يكون موصوفاً بالسُّوءِ؟
فالجوابُ : أنَّ الموصوف بالسُّوءِ ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عنها، حتَّى صارُوا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلبِ اللاَّهِث.
قوله :﴿ وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ ﴾ « أنْفُسَهُمْ » مفعول ل « يَظْلِمُونَ » وفيه دليلٌ على تقديم خبر « كان » عليها؛ لأنَّ تقديم المعمول يؤذنُ بتقديم العامل غالباً، لأنَّ ثمَّ مواضع يمتنع فيها ذلك نحو :﴿ فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ [ الضحى : ٩ ] ف « اليتيمَ » مفعول ب « تقهر » ولا يجوز تقديم « تَقْهَرْ » على جازمه، وهو محتملٌ للبحث.
وهذه الجملةُ الكونيةُ تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون نسقاً على الصلة وهي « كذَّبُوا بآيَاتِنَا » والمعنى : الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله، وظلم أنفسهم.
والثاني : أن تكون مستأنفة، أي : وما ظلموا إلا أنفسهم بالتَّكذيب، وعلى كلا القولين فلا محلَّ لها، وقُدِّم المفعولُ، ليفيدَ الاختصاص وهذا على طريق الزمخشريِّ وأنظاره كأنَّهُ قيل : وخصوا أنفسهم بالظُّلْمِ، وما تعدى أثر ذلك الظُّلم عنهم إلى غيرهم.
قوله :﴿ مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي ﴾ راعى لفظ « مَنْ » فأفرد، وراعى معناها في قوله ﴿ فأولئك هُمُ الخاسرون ﴾ فجمع، وياء « المُهْتَدِي » ثابتةٌ عند جميع القُرَّاءِ، لثبوتها في الرسم، وسيأتي الخلاف في التي في الإسراء.
وقال الواحديُّ : فهُو المُهْتَدِي يجوز إثبات الياء فيه على الأصلِ، ويجوزُ حذفها استخافاً؛ كما قيل في بيت الكتاب :[ الوافر ]
فَطِرْتُ بِمْنْصُلِي فِي يَعْمَلاتٍ | دَوَامِي الأيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا |
٢٦٢٧ - كَنَوَاحِ ريشِ حَمَامَةٍ نَجْديَّةٍ | ومَسَحْتِ باللِّثَتَيْنِ عَصْفَ الإثْمِدِ |
فصل
لمَّا وصف الظَّالمين وعرَّف حالهم بالمثل المذكور بيَّن في هذه الآية أنَّ الهداية من اللَّهِ، وأنَّ الضَّلال من اللَّهِ، وذكر المعتزلةُ ههنا وجوهاً من التأويل : أحدها :
قال الجُبائيُّ والقاضي : المرادُ من يهده اللَّهُ إلى الجنَّةِ والثَّواب في الآخرة، فهو المهتدي في الدُّنْيَا السالك طريقة الرشد فيما كلف، فبيَّن تعالى أنَّهُ لا يهدي إلى الثَّوابِ في الآخرة إلا مَنْ هذه صِفَتُهُ، ومن يضلله عن طريق الجنَّةِ :﴿ فأولئك هُمُ الخاسرون ﴾.