وفي اسم :« يَكُون » قولان :
أحدهما : هو ضميرُ الشَّأنِ، ويكونُ :﴿ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ ﴾ خبراً لها.
والثاني : أنه :« أجْلُهُمْ »، و « قَدِ اقتربَ » جملةٌ من فعلٍ وفاعلٍ هو ضمير « أجَلُهُم » ولكن قدّضم الخبر وهو جملة فعليَّة على اسمها.
وقد تقدَّم أن ابن مالك يجيزه وابن عصفور يمنعه عند قوله :﴿ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ].
قوله :« فَبِأيِّ » مُتعلّق ب « يُؤمِنُونَ » وهي جملةٌ استفهامية سيقتْ للتَّعجب، أي : إذَا لم يُؤمِنُوا بهذا الحديث فكيف يُؤمِنُونَ بغيره؟ والهاءُ في :« بَعْدَهُ » تحتملُ العَوْدَ على القرآن وأن تعُود على الرَّسُولِ، ويكون الكلامُ على حذف مضافٍ، أي : بعد خبره وقصته، وأن تعود على :« أجَلُهُمْ »، أي : إنَّهم إذا ماتوا وانقضى أجلهم؛ فكيف يُؤمنُون بعد انقضاءِ أجلهم؟
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : بم تُعلِّق قوله :﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؟ قلت : بقوله :﴿ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ ﴾ ؛ كأنه قيل : لعلَّ أجلهم قجد اقترب فما لهُم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الموت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحقّ؟ وبأيَّ حديثٍ أحقُّ منه يرون أن يؤمنوا؟ يعني التعلُّق المعنويَّ المرتبطَ بما قبله لا الصناعي وهو واضح.
قوله تعالى :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ ﴾ الآية.
لمَّا ذكر إعراضهُم عن الإيمان، بيَّن ههنا علَّة إعراضهم.
فقال :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ ﴾ وهذه الآيةُ تدلُ على أنَّ الهُدى والضلال من الله تعالى كما سبق في الآيةِ المُتقدمة وتأويلات المعتزلة والأجوبة عنها.
قوله :« ويَذَرْهُمْ » قرأ الأخوان بالياء وجزم الفعل، وعاصم وأبو عمرو بالياء أيضاً، ورفع الفعل، ونافع وابن كثير وابن عامر بالنُّون ورفع الفعل أيضاً، وقد رُوي الجزمُ أيضاً عن نافع، وأبي عمرو في الشواذ.
فالرفعُ من وجهٍ واحدٍ، وهو الاستئناف، أي : وهو يذرهم، ونحن نذرهم، على حسب القراءتين، وأمَّا السُّكونُ فيحتمل وجهين :
أحدهما : أنه جزم نسقاً على محلِّ قوله :﴿ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ﴾ ؛ لأنَّ الجملةَ المنفيَّة جوابٌ للشرط فهي في محلِّ جزم فعطف على محلِّها وهو كقوله تعالى :﴿ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ ﴾ [ البقرة : ٢٧١ ] بجزم « يُكَفّر » ؛ وكقول الشاعر :[ الكامل ]
٢٦٣٩ - أنَّى سَلَكْتَ فإنَّنِي لَكَ كَاشِحٌ | وعَلى انتقِاصِكَ في الحياةِ وأزْدَدِ |
٢٦٤٠ - فأبْلُونِي بَلِيَّتَكُمكْ لَعَلِّي | أصَالِحُكُمْ وأستدرج نَوَيَّا |
والثانيك أنه سكونُ تخفيف، كقراءة أبي عمرو ﴿ يَنصُرْكُمُ ﴾ [ آل عمران : ١٦٠ ] و ﴿ يُشْعِرْكُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ] ونحوه، وأمَّا الغيبة فجرياً على اسم الله تعالى، والتَّكلم على الالتفات من الغيبة إلى التَّكلم تعظيماً ويَعْمَهُونَ مترددون متحيرون.