وقال الفارسي : الطَّيْف كالخَطْرة، والطَّائف كالخَاطر ففرَّق بينهما، وقال الكسائيُّ الطَّيف : اللَّمَم، والطَّائف : ما طاف حول الإنسان.
قال ابنُ عطيَّة : وكيف هذا؛ وقد قال الأعشى :[ الطويل ]

٢٦٦١ - وتُصْبِحُ مِنْ غِبِّ السُّرَى وكأنَّهَا ألمَّ بهَا من طائِفِ الجِنِّ أوْلَقُ
ولا أدري ما تَعَجُّبُه؟ وكأنه أخذ قوله ما طاف حول الإنسان مقيَّداً بالإنسان وهذا قد جعله طائفاً بالنَّاقة، وهي سَقْطة؛ لأنَّ الكسائيَّ إنَّما قاله اتفاقاً لا تقييداً.
وقال أبُو زيدٍ النصاريُّ : طَافَ : أقبل وأدبر، يَطُوف طَوْفاً، وطَوَافاً، وأطاف يُطِيفُ إطَافةً : استدار القومُ من نواحيهم، وطافَ الخيالُ : أمَّ يطيف طَيْفاً. فقد فرَّق بين ذي الواو، وذي الياء، فخصَّص كلَّ مادة بمعنى، وفرَّق أيضاً بين فَعَل وأفْعَل كما رأيت.
وزعم السُّهَيْليُّ : أنه لا يُسْتَعمل من طاف الخيالُ اسم فاعل، قال :« لأنَّهُ تَخَيُّلٌ لا حقيقة له » قال : فأما قوله تعالى :﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾ [ القلم : ١٩ ] فلا يقالُ فيه « طَيف » ؛ لأنه اسم فاعل حقيقة؛ وقال حسان :[ السريع ]
٢٦٦٢ - جنَّيَّةٌ أرَّقَنِي طَيْفُهَا يَذهَبُ صُبْحاً ويُرى في المنَامْ
وقال السدُّ : الطَّيْفُ الجنون، والطائِفُ : الغضب، وعن ابن عباس - رضي الله عنما - هو بمعنى واحد، وهو النَّزغُ.

فصل


قال المفسرون : الطَّيفُ اللمة والوسوسة.
وقيل : الطَّائِفُ ما طافَ به من سوسة الشيطان، والطيف اللم والمسُّ وقال سعيدُ بن جبير : هو الرَّجلُ يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ.
وقال مجاهدٌ : هو الرَّجلُ يهم بالذنبِ، فيذكر اللَّهَ تعالى فيدعه.
﴿ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ هذه « إذَا » الفُجائيَّة كقولك : خرجتُ فإذا زيد، والمعنى : يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتَّفكر، وقال السديُّ : إذا زلوا تابُوا وقال مقاتلٌ : إنَّ المتقي إذا مسه نزع من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية فأبصر فنزع عن مخالفة الله.
واعلم أنَّ إذَا في قوله :﴿ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ ﴾ تستدعي جزاءً.
قوله :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي ﴾. في هذه الآيةِ أوجهٌ :
أحدها : أنَّ الضمير في :« إخوانهم » يعودُ على الشَّياطين لدلالةِ لفظ الشيطانِ عليهم، أو على الشَّيطان نفسه؛ لأنَّهُ لا يُراد به الواحدُ، بل الجِنْسُ.
والضميرُ المنصوبُ في يَمُدُّونهُم يعودُ على الكُفَّارِ، والمرفوعُ يعود على الشياطين أو الشيطان كما تقدَّم، والتقديرُ : وإخوان الشياطين يمدُّهم الشيطان، وعلى هذا الوجه فالخبرُ جارٍ على غير من هو له في المعنى، ألا ترى أنَّ الإمداد مسند إلى الشياطين في المعنى وهو في اللفظ خبر عن إخوانهم ومثله :[ البسيط ]
٢٦٦٣ - قَوْمً إذا الخَيْلأُ جَالُوا في كَواثبِهَا ..........................
وقد تقدم البحث في هذا مع مكي وغيره من حيث جريانُ الفعل على غير من هو له، ولم يَبْرُزْ ضمير.
وهذا التأويلُ الذي ذكرناهُ : هو قول الجمهور وعليه عامة المفسِّرين.
قال الزمخشريُّ : هو أوجهُ؛ لأنَّ إخوانهم في مقابلة :« الَّذينَ اتَّقَوا ».


الصفحة التالية
Icon