قوله تعالى :﴿ ألاا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض ﴾ الآية.
لمَّا ذكر في الآية المتقدمة :﴿ ألاا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض ﴾ [ يونس : ٥٥ ] دل على أنَّ كلَّ ما لا يعقلُ، فهو مُلْكٌ لله - تعالى -، ومِلْكٌ لهُ، وههنا أتى بكلمة « مِنْ » وهي مختصَّة بالعقلاء؛ فدلَّ على أنَّ كلَّ العقلاء داخلون تحت ملك الله وملكه، فدلَّ مجموعُ الآيتين على أنَّ الكُلَّ مُلْكُه ومِلْكُه. وقيل : المراد ب « من في السَّمواتِ » : العقلاء المُمَيَّزُون، وهم الملائكة والثقلان، وخصَّهم بالذِّكر؛ ليدل على أن هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكه، فالجمادات أولى بهذه العُبُوديَّة، فيكون ذلك قدحاً في جعل الأصنام شُركاء لله - تعالى -، فيكون ذلك من بابِ التنبيه بالأعلى على الأدنى، ويجوز أن يراد العموم، وغلب العاقل على غيره.
قوله :« وَمَا يَتَّبِعُ » يجوز في « ما » هذه أن تكون نافية، وهو الظاهر، و « شُرَكَاء » مفعولُ « يتَّبعُ » ومفعول « يَدْعُون » محذوفٌ لفهم المعنى، والتقدير : وما يتَّبعُ الذين يدعُون من دُون اللهِ آلهةً شُركَاءَ، فآلهة : مفعول « يَدْعُونَ » و « شركاء » : مفعول « يتبع »، وهو قول الزَّمخشريّ.
قال :« ومعنى وما يتَّبعون شركاء : وما يتَّبعون حقيقة الشُّركاء، وإن كانُوا يُسَمُّونها شركاء؛ لأنَّ شركة الله في الربوبية محال، إن يتَّبعُون إلاَّ ظنَّهم أنهم شركاءُ ثم قال :» ويجوز أن تكون « ما » استفهاماً، يعني : وأيَّ شيءٍ يتَّبعون، و « شركاء » على هذا نصب ب « يَدْعُونَ »، وعلى الأوَّل ب « يتَّبع » وكان حقُّه :« وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء » فاقتصر على أحدهما للدلالة «. وهذا الذي ذكرهُ الزمخشريُّ قد ردَّه مكِّي وأبو البقاء.
أما مكي، فقال : انتصب » شركاء « ب » يَدْعُون « ومفعول » يتَّبع « قام مقامه ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن ﴾ لأنَّهُ هو، ولا ينتصبُ الشُّركاء ب » يتَّبع « لأنَّك تنفي عنهم ذلك، والله قد أخبر عنهم بذلك.
وقال أبو البقاء :» وشركاء مفعولُ « يَدْعُونَ » ولا يجوزُ أن يكون مفعُول « يتَّبعون » لأنَّ المعنى يصير إلى أنَّهم لم يتَّبعوا شركاء، وليس كذلك «.
قال شهاب الدِّين :» معنى كلامهما : أنَّه يئول المعنى إلى نفي اتِّباعهم الشركاء، والواقع أنَّهُم قد اتَّبَعُوا الشركاء «. وجوابه ما تقدَّم من أنَّ المعنى : أنهم وإن اتَّبعُوا شركاء، فليْسُوا بشركاءَ في الحقيقةِ، بل في تسميتهم هم لهم بذلك، فكأنَّهم لم يتَّخذوا شركاء، ولا اتبعوهم لسلب الصِّفة الحقيقيَّة عنهم، ومثله قولك :» ما رأيتُ رجلاً «، أي : مَنْ يستحقُّ أن يسمَّى رجلاً، وإن كنت قد رأيت الذَّكر من بني آدم، ويجوز أن تكون » ما « استفهاميَّة، وتكون حينئذٍ منصوبةً بما بعدها، وقد تقدَّم قولُ الزمخشري في ذلك.