وقد أشَارَ إلى التعليل ابنُ عطية، ولكنَّ المختار الأول، ولم يذكُر الزمخشريُّ غيره.
قوله :﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ بمصدِّقين.
﴿ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسواء ﴾ الظَّاهر أن ما بعد « إلاَّ » مفعولٌ بالقول قبله، إذ المرادُ : إن نقُولُ إلاَّ هذا اللفظ فالجملةُ محكيةٌ نحو قولك « ما قُلْتُ إلاَّ زيدٌ قائمٌ ». قوال أبُو البقاءِ :« الجملةُ مفسرةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، التقدير : إن نقول إلاَّ قولاً هو اعتراكَ، ويجُوزُ أن يكون موضعها نصباً، أي : ما نذكر إلاَّ هذا القول ».
وهذا غيرُ مرضٍ؛ لأنَّ الحكاية بالقولِ معنى ظاهر لا يحتاج إلى تأويلٍ، ولا إلى تضمين القولِ بالذِّكْرِ.
وقال الزمخشريُّ :« اعْتراكَ » مفعول « نَقُول » و « إلاَّ » لغوٌ، أي : ما نقُولُ إلاَّ قولنا « اعْتَرَاكَ ». انتهى.
يعنى بقوله :« لغوٌ » أنَّهُ استثناءٌ مفرَّغ، وتقديره بعد ذلك تفسيرُ معنى لا إعراب، إذا ظاهرُهُ يقتضي أن تكون الجملةُ منصوبةً بمصدرٍ محذوفٍ، ذلك المصدرُ منصوبٌ ب « تَقُول » هذا الظَّاهرُ.
ويقال : اعتراهُ يعتريه إذا أصابه، وهو افتعل من عراه يَعْرُوه، والأصلُ : اعترو مِنْ العَرْو، مثل : اغتَزَو من الغَزْو، فتحرَّك حرفُ العلَّة وانفتح ما قبله فقُلب ألفاً، وهو يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرفِ الجرِّ.
والمعنى : أنَّك شَتَمْتَ آلهتنا، فجعلتكَ مجنوناً، وأفسدت عقلك، ثم قال لهم هودٌ :﴿ إني أُشْهِدُ الله ﴾ على نفسي ﴿ واشهدوا ﴾ يا قومي ﴿ أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ من دُونهِ، يعنى : الأوثان.
قوله :﴿ أَنِّي برياء ﴾ يجوزُ أن يكون من بابِ الإعمال؛ لأنَّ « أشْهِدُ » يطلبه، و « اشْهَدُوا » يطلبه أيضاً، والتقديرُ : أشهدُ الله على أنِّي بريءٌ، واشهدُوا أنتم عليه أيضاً، ويكون من باب إعمال الثاني؛ لأنَّهُ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني، ولا غرو في تنازع المختلفين في التعدِّي واللزوم.
و « مِمَّا تُشْرِكُونَ » يجوز أن تكون « ما » مصدريةً، أي : من إشراككم آلهةٌ من دُونه، أو بمعنى « الَّذي »، أي : من الذين تشركونه من آلهةٍ من دونه، أي : أنتم الذين تجعلُونها شركاء.
وقوله :« جَمِيعاً » حالٌ من فاعل « فَكِيدُونِي »، وأثبت سائرُ القرَّاء ياء « فَكِيدُونِي » في الحالين، وحذفوها في المرسلات.
وهذا نظيرُ ما قاله نوح - ﷺ - لقومه :﴿ فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ﴾ [ يونس : ٧١ ] إلى قوله :﴿ وَلاَ تُنظِرُونَ ﴾ [ يونس : ٧١ ].
وهذه معجزةٌ قاهرةٌ؛ لأنَّ الرَّجُل الواحدَ إذا أقبل على القوم العظام، وقال لهم : بالغُوا في عداوتي، وفي إيذائي، ولا تؤجلون فإنَّه لا يقُولُ هذا إلاَّ إذا كان واثقاً من الله بأنَّهُ يحفظه، ويصونه عن كيد الأعداءِ، وهذا هو المراد بقوله :﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ أي : اعتمادي على الله ربِّي وربِّكُم.