ونظير تعجُّبهم هذا ما حكاهُ الله - تعالى - عن كفَّار مكَّة في قولهم :﴿ أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ ص : ٥ ].
قوله :﴿ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ ﴾ مما تدعونا إليه مريب هذا هو الأصل، ويجوز « وإنَّا » بنونٍ واحدةٍ مشدَّدة كما في السورة الأخرى [ إبراهيم : ٩ ]. وينبغي أن يكون المحذوفُ النُّونَ الثَّانية من « إنَّ » ؛ لأنَّه قد عُهد حذفها دون اجتماعها مع « ن »، فحذها مع « ن » أولى، وأيضاً فإنَّ حذف بعض الأسماءِ ليس بسهلٍ وقال الفرَّاءُ :« مَنْ قال » إنَّنَا « أخرج الحرف على أصله؛ لأنَّ كتابة المتكلمين » نَا « فاجتمع ثلاثُ نونات، ومن قال :» إنا « استثقل اجتماعها؛ فأسقط الثالثة، وأبقى الأوليين » انتهى. وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك.
قوله :« مُرِيبٍ » اسم فاعل من « أرَاب » يجوز أن يكون متعدِّياً من « أرابهُ »، أي : أوقعه في الرِّيبة، أو قاصراً من « أرابَ الرَّجلُ » أي : صار ذا ريبة. ووصف الشَّكُّ بكونه مُريباً بالمعنيين المتقدمين مجازاً.
والشَّك : أن يبقى الإنسان متوقفاً بين النَّفْي والإثبات، والمُريب : هو الذي يظن به السوء والمعنى : أنَّهُ لَمْ يترجَّحْ في اعتقادهم فساد قوله وهذا مبالغةٌ في تزييف كلامهِ.
قوله :﴿ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً ﴾ تقدَّم نظيره [ يونس : ٥٠ ]، والمفعول الثَّاني هنا محذوف تقديره : أأعْصيه ويدل عليه « إنْ عَصَيْتُه ». وقال ابنُ عطيَّة : هي مِنْ رؤيةِ القَلْبِ، والشَّرطُ الذي بعده وجوابه يَسُدُّ مسدَّ مفعولين ل « أرَأيْتُم ».
قال أبُو حيَّان :« والذي تقرَّر أنَّ » أرَأيْتَ « ضُمِّن معنى » أخْبِرْنِي «، وعلى تقدير أن لا يُضَمَّن، فجملةُ الشَّرط والجواب لا تسدُّ مسدَّ مفعولي » عَلِمْتُ « وأخواتها ».
قوله :﴿ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي ﴾ ورد بحرف الشَّك، وكان على يقين تام في أمره إلاَّ أنَّ خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبُولِ؛ فكأنه قال : قدِّرُوا أنِّي على بيِّنةٍ من ربِّي وأنِّي نبيٌّ على الحقيقةِ، وانظُرُوا إن تابعتكم، وعصيتُ أمر ربِّي، فمن يمنعني من عذابِ الله فما تزيدُونَنِي على هذا التقدير غير تَخْسِير.
قوله :« غَيْرَ تَخْسِير » الظاهرُ أنَّ « غَيْرَ » مفعولٌ ثانٍ ل « تَزِيدُونَنِي ».
قال أبُو البقاءِ :« الأقْوَى هنا أن تكُون » غير « استثناءً في المعنى، وهو مفعولٌ ثانٍ ل » تَزِيدُونَنِي «، أي : فمَا تَزِيدُونَنِي إلاَّ تَخْسِيراً.