٢٩٨٠- لَهُ دَاعٍ بِمَكَّة مُشْمَعِلٌّ | وآخَرُ فوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي |
فصل
قال القرطبيُّ :« استدلَّ العلماءُ بتأخير الله العذاب عن قوم صالح ثلاثة أيام على أنَّ المسافر إذا لمْ يُجمع على إقامة أربع ليالٍ قصر؛ لأنَّ الثلاثة أيام خارجة عن حكم الإقامة ».
والتَّمتع : التَّلذُّذ بالمنافع والملاذ. ﴿ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾، [ أي : غير كذب ].
قوله :« مَكْذُوب » يجُوزُ أن يكون مصدراص على زنة مفعولٍ، وقد جاء منه أليفاظ نحو : المَجْلود والمعقُول والمَيْسُور والمَفْتُون، ويجوزُ أن يكون اسم مفعولٍ على بابه، وفيه حينئذٍ تأويلان :
أحدهما : غير مكذوبٍ فيه، ثم حذف حرف الجر فاتَّصل الضَّمير مرفُوعاً مستتراً في الصِّفة ومثله « يَوْمٌ مَشْهُودٌ » وقول الشاعر :[ الطويل ]
٢٩٨١- ويَوْمَ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وعَامِراً | قَلِيلٌ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نوافِلُه |
فصل
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :« لمَّا أمهلهم ثلاثة أيَّام، قالوا وما علامةُ ذلك؟ قال : تصبحوا في اليوم الأوَّلِ وجوهكم مصفرة، وفي اليوم الثاني مُحْمَرة وفي اليوم الثالث مسودة، ثم يأتيكم العذابُ في اليوم الرَّابع فكان كما قال ».
فإن قيل : كيف يُعقل أن تظهر هذه العلامات مطابقة لقول صالحٍ، ثم يبقون مصرين على الكفر؟ فالجواب : ما دامت الأمارات غير بالغة إلى حدِّ اليقينِ لم يمتنع بقاؤهم على الكفر وإذا صارت يقينيَّة قطعيَّة، فقد انتهى الأمرُ إلى حدِّ الإلجاء، والإيمان في ذلك الوقت غير مقبول.
قوله ﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ أي : عذابنا، وتقدَّم الكلامُ على مثله.
قوله :﴿ ومِنْ خِزْيِ ﴾ متعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي : ونجَّيْنَاهم من خزي. وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : علام عطف؟ قلت : على « نَجَّيْنَا » ؛ لأنَّ تقديره : ونجَّيناهم من خزي يومئذٍ كما قال :﴿ وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [ هود : ٥٨ ] أي : وكانت التنجيةُ من خزي. وقال غيرهُ :« إنَّه متعلقٌ ب » نَجَّيْنَا « الأول ».
وهذا لا يجُوزُ عند البصريين غير الأخفش؛ لأنَّ زيادة الواو غيرُ ثابتة.
وقرأ نافعٌ والكسائيُّ بفتح ميم « يومئذٍ » على أنَّها حركةُ بناءٍ لإضافته إلى غير متمكن؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٩٨٢- عَلَى حينَ عَاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبَا | فقُلْتُ ألمَّا أصْحُ والشَّيبُ وَازعُ |
فمن قرأ بالفتح فعلى أنَّ « يَوْم » مضاف إلى « إذْ »، و « إذْ » مبني، والمضاف إلى المبني يجوزُ جعله مبنياً، ألا ترى أنَّ المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف فكذا ههنا، وأمَّا الكسرُ : فالسَّبب فيه أنَّهُ يضاف إلى الجملة من المبتدأ والخبر، تقولُ :« جئتك إذ الشَّمس طالعة »، فلمَّا قطع عنه المضاف إليه نون ليدل التنوين على ذلك ثمَّ كسرت الذَّال لسكونها وسكون التنوين.
وأما قراءةُ الكسر فعلى إضافة « الخِزْيِ » إلى « اليوم »، ولم يلزم من إضافته إلى المبني أن يكون مبنيّاً لأنَّ إضافته غير لازمة.