[ مريم : ٩٣ ] ولمَّا بيَّن بالدليل الواضح امتناع ما أضافُوا إليه، عطف عليهم بالإنكار والتوبيخ، فقال :﴿ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ :« إنْ » نافية و « عندكُم » يجوز أن يكون خبراً مقدَّماً، و « مِنْ سلطانٍ » مبتدأ مُؤخَّراً، ويجوز أن يكون « من سلطان » مرفوعاً بالفاعليَّة بالظرف قبله؛ لاعتماده على النفي، و « مِنْ » مزيدةٌ على كلا التقديرين، وبهذا يجوز أن يتعلق ب « سُلْطان » لأنَّه بمعنى الحُجَّة والبرهان، وأن يتعلَّق بمحذوف صفة له؛ فيحكم على موضعه بالجرِّ على اللفظ، وبالرفع على المحلِّ؛ لأنَّ موصوفه مجرور بحرفِ جرٍّ زائدٍ، وأن يتعلَّق بالاستقرار.
قال الزمخشريُّ : الباءُ حقُّها أن تتعلَّق بقوله :« إنْ عندكُم » على أن يجعل القولُ مكاناً للسُّلطان؛ كقوله « ما عندكم بأرضكم موزٌ » كأنه قيل : إن عندكم بما تقولون سلطانٌ وقال الخوفيُّ : بهذا متعلقٌ بمعنى الاستقرار. يعنى : الذي تعلَّق به الظرف.
ثم قال :﴿ أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وقد تقدَّم أنَّ الآية يحتجُّ بها نُفاة القياس في إبطال التقليد.
قوله - تعالى - :﴿ قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن بالدليل القاطع أنَّ إثبات الولد لله قول باطلٌ، ثم بيَّن أنه ليس لهذا القائل دليلٌ على صحة قوله، ظهر أن ذلك المذهب افتراء على الله - تعالى -، فبيَّن أنَّ من هذا حاله، فإنَّه لا يفلحُ ألبتَّة، أي : لا ينجح في سعيه، ولا يفوز بمطلُوبه، بل خاب وخسر.
قوله :﴿ مَتَاعٌ فِي الدنيا ﴾ يجوز رفع « متاع » من وجهين :
أحدهما : أنه خبرُ مبتدأ محذوف، والجملة جوابٌ لسؤالٍ مقدَّر، فهي استئنافيةٌ، كأنَّ قائلاً قال : كيف لا يفلحُون، وهم في الدنيا مفلحون بأنواع ممَّا يتلذّذون به؟ فقيل : ذلك متاع.
والثاني : أنه مبتدأ، والخبر محذوفٌ تقديره : لهُم متاعٌ، و « فِي الدُّنيا » يجوز أن يتعلق بنفس « متاع » أي : تمتُّعٌ في الدنيا، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه نعت ل « متاع » فهو في محلِّ رفعٍ، ولم يقرأ بنصبه هنا، بخلاف قوله :﴿ مَّتَاعَ الحياة ﴾ [ يونس : ٢٣ ] في أول السُّورة.
وقوله :﴿ بِمَا كَانُواْ ﴾ الباءُ للسببية، و « ما » مصدريةٌ «، أي : بسبب كونهم كافرين.


الصفحة التالية
Icon