٢٩٩٥- تَزيدُ على صواحبها وليْسَتْ بِمَاجِدةِ الطَّعامِ ولا الشَّرابِ
[ أي ] : ليست بكثيرة الطَّعام ولا الشَّرابِ.
وقيل : مَجَد الشَّيءُ : أي : حَسُنَتْ أوصافُهُ.
وقال الليثُ - رحمه الله - :« أمْجَدَ فلانٌ عطاءهُ ومجَّدهُ أي : كثَّرَهُ ».
والمجيدُ : المَاجدُ، وهو ذُو الشَّرفِ والكرمِ.
قوله :﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع ﴾، أي : الفزعُ؛ قال الشَّاعرُ :[ الطويل ]
٢٩٩٦- إِذَا أخَذَتْهَا هِزَّةُ الرَّوْعِ أمْسَكَتْ بِمَنْكِبِ مِقدامٍ على الهَوْلِ أرْوَعَا
يقال : رَاعَهُ يَرُوعُه، أي : أفزعهُ؛ قال عنترةُ :[ الكامل ]
٢٩٩٧- ما رَاعَنِي إِلاَّ حَمُولةُ أهْلِهَا وسْطَ الدِّيارِ تَسَفُّ حبَّ الخِمْخِمِ
وارتاع : افتعل منه؛ قال النابغة :[ البسيط ]
٢٩٩٨- فارْتَاعَ مِنْ صَوْتِ كلاَّبٍ فَبَاتَ لَهُ طَوْعَ الشَّوامِتِ مِنْ خَوْفٍ ومِنْ صَرَدِ
وأمَّا الرُّوعُ - بالضمِّ - فهي النَّفْسُ لأنَّها محلُّ الرَّوْعِ. ففرَّقُوا بين الحالِّ والمَحَلِّ؛ وفي الحديث :« إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي ».
قوله :﴿ وَجَآءَتْهُ البشرى ﴾ عطف على « ذَهَبَ »، وجوابُ « لمَّا » على هذا محذوفٌ أي : فلمَّا كان كيت وكيت اجترأ على خطابهم، أو فطن لمجادلتهم، وقوله :« يَجَادِلُنَا » على هذا جملةٌ مستأنفةٌ، وهي الدَّالَّةُ على ذلك الجواب المحذوف.
وقيل : تقديرُ الجواب : أقبل يُجَادلنا، أو أخذ يُجَادلُنَا، ف « يُجَادِلُنَا » على هذا حالٌ من فاعل « أقبل ».
وقيل : جوابها قوله :« يُجَادلُنَا » وأوقع المضارع موقع الماضي.
وقيل : الجوابُ قوله :﴿ وَجَآءَتْهُ البشرى ﴾ والواوُ زائدةٌ. وقيل :« يُجَادِلُنَا » حال من « إبراهيم »، وكذلك قوله :﴿ وَجَآءَتْهُ البشرى ﴾ و « قَدْ » مقدرةٌ. ويجُوزُ أن يكون « يُجَادِلُنَا » حالاً من ضمير المفعول في « جَاءءَتْهُ ». و « فِي قَوْمِ لُوطٍ » أي : في شأنهم.
قوله :﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع ﴾.
هذا أوَّلُ قصة قوم لوط، والمعنى : أنَّهُ لمَّا زال الخوف وحصل السُّرورُ بسبب مجيء البُشْرَى بحصول الولد، أخذ يُجَادلنا أي : رسلنا، بمعنى : يكلمنا؛ لأنَّ إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - لا يجادل ربه، إنَّما يسأله ويطلب إليه بدليل مدحه عقيب الآية بقوله :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴾ ولو كان جدلاً مذموماً لما مدحه بهذا المَدْح العظيم، وكانت مجادلته أن قال للملائكة : أرأيتم لو كان في مدائنِ لوطٍ خمسون رجلاً من المؤمنين أتهلكونها قالوا : لا.
قال : أو أربعون. قالوا : لا.
قال : أو ثلاثون. قالوا لا. حتَّى بلغ العشرة.
قالوا : لا. قال : أرأيتم لو كان فيها رجلٌ مسلم أتهلكونها؟ قالوا : لا. فعند ذلك ﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته ﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ].
ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴾.
والحليم : الذي لا يتعجَّلُ بمكافأة من يؤذيه، ومن كان كذلك فإنَّه يتأوَّهُ إذا شاهد وصول الشَّدائد إلى الغير فلمَّا رأي مجيء الملائكة لإهلاك قوم لُوط عظم حزنهُ، وأخذ يتأوَّهُ فوصفه، الله - تعالى - بأنَّهُ مُنِيبٌ؛ لأنَّ من ظهرت منه هذه الشفقة العظيمةُ على الخلق فإنَّهُ يتُوبُ ويرجع إلى الله - تعالى عزَّ وجلَّ - في إزالة ذلك العذابِ، أو يقال : من كان لا يَرْضَى بوقوع غيره في الشَّدائد، فبأن لا يرضى بوقوع نفسه فيها أولى، ولا طريق لتخليصِ النَّفْسِ من عذاب الله والوقوع فيه إلا بالتوبةِ والإنابةِ، فقالت الرُّسُلُ عند ذلك لإبراهيم - ﷺ - :﴿ يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هاذآ ﴾ أي : أعرض عن هذا المقال، ف ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ ﴾، أي : عذابُ ربِّك وحُكم ربِّك ﴿ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ ﴾ : نازلٌ بهم ﴿ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾، أي : غير مصروف عنهم.


الصفحة التالية
Icon