قوله :﴿ هؤلاء بَنَاتِي ﴾ جملةٌ برأسها، و ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ جملةٌ أخرى، ويجُوزُ أن يكون « هؤلاءِ » مبتدأ، و « بَنَاتِي » بدلٌ أو عطفُ بيان، وهُنَّ مبتدأ، و « أطْهَرُ » خبره، والجملة خبر الأول. ويجوز أن يكون « هُنَّ » فصلاً، و « أطْهَرُ » خبر : إمَّا ل « هَؤلاءِ »، وإمَّا ل « بَنَاتِي » والجملةُ خبر الأوَّلِ.
وقرأ الحسنُ وزيدُ بنُ عليّ، وسعيدُ بنُ جبير، وعيسى بن عمر، والسُّدي « أطْهَرَ » بالنَّصْب، وخُرِّجَتْ على الحالِ، فقيل :« هؤلاءِ » مبتدأ، و « بَنَاتِي هُنَّ » جملة في محلِّ خبره، و « أطْهَرَ » حال، والعاملُ : إمَّا التَّنبيهُ وإمَّا الإشارةُ.
وقيل :« هُنَّ » فصلٌ بين الحالِ وصاحبها، وجعل من ذلك قولهم :« أكثر أكْلِي التفاحة هي نضيجةً » ومنعه بعضُ النحويين، وخرج الآية على أنَّ « لَكُم » خبر « هُنَّ » فلزمه على ذلك أن تتقدَّم الحالُ على عاملها المعنويِّ، وخرَّج المثل المذكور على أنَّ « نَضِيجَةٌ » منصوبة ب « كَانَ » مضمرة.
فصل
قال قتادةُ - رحمه الله - :« المرادُ بناته لصلبه »، وكان في ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائزاً كما زوَّج النبي - صلوات الله البرّ الرحيم وسلامه عليه دائماً أبداً - ابنته من عُتْبة بن أبي لهبٍ، وزوج ابنته الأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي، وكانا كافرين.
وقال الحسنُ بن الفضل : عرض بناته عليهم بشرط الإسلام.
وقال مجاهدٌ وسعيدُ بن جبير : أراد نساءهم، وأضاف إلى نفسه؛ لأنَّ كُلَّ نبيٍّ أبو أمته وفي قراءة أبي بن كعب « ﴿ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٦ ] وهو أب لهم » وهذا القول أولى؛ لأنَّ إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفُجَّار أمر مستعبدٌ لا يليقُ بأهل المروءةِ، فكيف بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -؟ وأيضاً فبناته من صلبه لا تكفي للجمع العظيم، أمَّا بناتُ أمته ففيهن كفاية للكُلِّ، وأيضاً : فلم يكن له إلاَّ بنتان، وإطلاق البنات على البنتين لا يجوز؛ لما ثبت أنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة؛ وقال بعضهم ذكر ذلك على سبيل الدفع لا على سبيل التحقيق.
فإن قيل : ظاهرُ قوله :﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ يقتضي كون عملهم طاهراً، ومعلوم أنَّهُ فاسدٌ؛ ولأنه لا طهارة في نكاح الرَّجُل.