قوله :« فَأَسْرِ » قرأ نافعٌ وابنُ كثيرٍ :( فأسر بأهلك ) هنا وفي الحجر، وفي الدخان ( فاسر بعبادي )، وقوله :( أن اسر ) في طه والشعراء، جميع ذلك بهمزة الوصل تسقط درجاً وتثبتُ مكسورة ابتداء.
والباقُون :« فأسْرِ » بهمزة القطع تَثْبتُ مفتوحةً درجاً وابتداء، والقراءتان مأخوذتان من لغتي هذا الفعل فإنَّهُ يقال : سَرَى، ومنه ﴿ والليل إِذَا يَسْرِ ﴾ [ الفجر : ٤ ]، وأسْرَى، ومنه :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ [ الإسراء : ١ ] وهل هما بمعنى واحدٍ أو بينهما فرقٌ؟ خلافٌ فقيل : هما بمعنى واحدٍ، وهو قولُ أبي عبيدٍ.
وقيل : أسْرَى لأولِ الليل، وسرى لآخره، وهو قولُ اللَّيْثِ - رحمه الله - وأمَّا « سَارَ » فمختص بالنَّهار، وليس مقلُوباً من « سَرَى ».
فإن قيل « السُّرى » لا يكون إلاَّ بالليل، فما الفائدةُ في قوله :﴿ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل ﴾ قال : هو آخر الليل سحر وقال قتادةُ : بعد طائفة من اللَّيلِ.
وتقدم في سورة يونس.
ثم قال :﴿ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ في الالتفات وجهان :
أحدهما : نظر الإنسان إلى ما وراءه، فيكونُ المرادُ أنه كان لهم في البلد أموال نهوا عن الالتفات إليها.
والثاني : أنَّ المراد بالالتفات الانصرافُ؛ كقوله تعالى :﴿ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا ﴾ [ يونس : ٧٨ ] أي : لتصرفنا والمراد نهيهم عن التَّخلُّفِ.
قوله :﴿ إِلاَّ امرأتك ﴾ قرأ ابنُ كثير، وأبو عمرو برفع « امْرأتُكَ » والباقون بنصبها. وفي هذه الآية كلامٌ كثيرٌ. أمَّا قراءةُ الرَّلإع ففيها وجهان :
أشهرهما - عند المعربين - أنَّه على البدل من « أحد » وهو أحسنُ من النَّصب، لأنَّ الكلام غيرُ موجب.
وهذا الوجهُ ردَّهُ أبو عبيد بأنه يلزمُ منه أنَّهُم نُهُوا عن الالتفاتِ إلاَّ المرأة، فإنَّها لم تُنْه عنه، وهذا لا يجُوزُ، ولوْ كان الكلامُ « ولا يَلْتَفِت » برفع « يَلْتَفتْ » يعني على أن تكون « لا » نافيةً، فيكون الكلامُ خبراً عنهم بأنَّهُم لم يلتفتُوا إلاَّ امرأته فإنَّها تلتفتُ لكان الاستثناء بالبدليَّة واضحاً، لكنَّهُ لم يقرأ برفع « يَلْتَفِتُ » أحد.
واستحسن ابنُ عيطة هذا الإلزامَ من أبي عبيدٍ.
وقال :« إنَّه واردٌ على القول باستثناءِ المرأة من » أحد « سواءً رفعت المرأة أو نصبتها ».
وهذا صحيحٌ، فإنَّ أبا عبيد لم يُرد الرفع لخصوصِ كونه رفعاً، بل لفسادِ المعنى، وفسادُ المعنى دائر مع الاستثناء من « أحد »، وأبو عبيد يخرِّجُ النصب على الاستثناء من « بِأَهْلِكَ » ولكنَّهُ يلزمُ من ذلك إبطالُ قراءة الرَّفع، ولا سبيل إلى ذلك لتواتُرها.
وقد انفصل المبرِّدُ عن هذا الإشكال الذي أورده أبو عبيد بأنَّ النَّهْيَ في اللفظ ل « أحَد » وهو في المعنى للوط - ﷺ -، إذ التقدير : لا تدعْ منهم أحداً يلتفتُ، كقولك لخادمك :« لا يَقُمْ أحَدٌ » النَّهْيُ ل « أحد » وهو في المعنى للخادم، إذ المعنى : لا تدعْ أحداً يقومُ.


الصفحة التالية
Icon