وقال ابنُ عطيَّة :« وجوابُ الشَّرط الذي في قوله :» إنْ كُنتُ « محذوفٌ تقديره أضلُّ كما ضللتُمْ، أو أترك تبليغ الرسالة، ونحو هذا ممَّا يليقُ بهذه المُحاجَّة ».
قال أبُو حيان : وليس قوله :« أضَلَّ » جواباً للشَّرط؛ لأنَّه إن كان مثبتاً فلا يمكنُ أن يكون جواباً لأنه لا يترتب على الشَّرط، وإن كان استفهاماً حذف منه الهمزة فهو في موضع المفعول الثاني ل « أرأيْتُمْ » وجوابُ الشَّرْطِ محذوفٌ يدلُّ عليه الجملة السَّابقة مع متعلَّقها.

فصل


المعنى ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ﴾ بصيرة وبيان من ربِّي ﴿ وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ﴾ حلالاً.
قيل : كان شعيب كثير المالِ الحلال.
وقيل : الرزق الحسنُ : العلم والمعرفة أي : لما أتاني جميع هذه السَّعادات، فهل ينبغي لي مع هذه النعم أن أخُونَ في وحيه، أو أنْ أخالفَ أمره ونهيه، وإذا كان العزّ من الله، والإذلال من الله، وذلك الرزقُ إنَّما حصل من عند الله فأنا لا أبالي بمخالفتكم، ولا أفرحُ بموافقتكم، وإنَّما أكون على تقرير بدين الله وإيضاح شرائعه.
قوله :﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ ﴾ قال الزمخشريُّ : خالفني فلان إلى كذا : إذا قصده وأنت مُولِّ عنه، وخالفني عنه إذا ولَّى عنه وأنت قاصده، ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقولُ :« خالفَنِي إلى الماءِ »، يريد أنه ذاهب إليه وارداً، وأنا ذاهبٌ عنه صادراً، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتُكم عنها لأستبدَّ بها دُونَكُم.
وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ معنى حسنٌ لطيف، ولم يتعرَّض لإعراب مفراداته؛ لأن بفهم المعنى يفهم الإعراب.
فيجوزُ أن يكون قوله :« أنْ أخَالِفَكُمْ » في موضع مفعول ب « أُرِيدُ »، أي : وما أريد مُخالفتكُم، ويكون « فاعل » بمعنى « فعل » نحو : جاوتُ الشَّيء وجُزْته، أي : وما أريد أن أخالفكم، أي : أكون خلفاً منكم.
وقوله :﴿ إلى مَآ أَنْهَاكُمْ ﴾ يتعلَّق ب « أخَالِفَكُمْ »، ويجُوزُ أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حال، أي : مائلاً إلى ما أنهاكم عنه، ولذلك قدَّر بعضهم محذوفاً يتعلَّقُ به هذا الجارُّ تقديره : وأميل إلى أن أخالفكم، ويجُوزُ أن يكون « أنْ أخالِفكثمُ » مفعولاً من أجله، وتتعلق « إلى » بقوله « أريدُ » بمعنى : وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه.


الصفحة التالية
Icon