والهمزةُ في « أوْرَدَ » للتعدية؛ لأنَّه قبلها يتعدَّى لواحدٍ، قال تعالى :﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ [ القصص : ٢٣ ].
وقيل : أوقع المستقبل بلفظ الماضي هنا لتحققه. وقيل : بل هو ماض على حقيقته، وهذا قد وقع وانفصل وذلك أنَه أوردهم في الدُّنيا النَّار. قال تعالى :﴿ النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾ [ غافر : ٤٦ ] وقيل : أوردهم موجبها وأسبابها، وفيه بعدٌ لأجْلِ العطف بالفاءِ.
والوِرْد : يكون مصدراً بمعنى الوُرُود، ويكون بمعنى الشيء المُورَد كالطِّحن والرِّعي.
ويُطلق ايضاً على الواردِ، وعلى هذا إنْ جعلت الورد مصدراً أو بمعنى الوارد فلا بدَّ من حذفِ مضاف تقديرهُ : وبئس مكانُ الورد المورود، وهو النَّارُ، وإنَّما احتيج إلى هذا التقدير؛ لأنَّ تَصَادُقَ فاعل « نِعْمَ » و « بِئْسَ » ومخصوصهما شرطٌ، لا يقال : نِعْمَ الرَّجُلُ الفرس. وقيل : بل المورود صفة للوردِ، والمخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ تقديره : بئس الوردُ المورود النَّارُ، جوَّز ذلك أبُو البقاءِ، وابنُ عطيَّة، وهو ظاهر كلام الزمخشري.
وقيل : التقديرُ : بئس القومُ المورودُ بهم هم، فعلى هذا « الورد » المرادُ به الجمعُ الواردُون، قال تعالى :﴿ وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ [ مريم : ٨٦ ] والمورود صفةٌ لهم، والمخصوصُ بالذَّمِّ الضميرُ المحذوف وهو « هم »، فيكونُ ذلك للواردين لا لموضع الورد كذا قالهُ أبو حيَّان وفيه نظرٌ من حيث إِنَّه : كيف يراد بالورد الجمع الواردُون، ثم يقولُ : والمورودُ صفةٌ لهم؟.
وفي وصف مخصوص « نِعمَ » و « بِئْسَ » خلافٌ بين النَّحويين منعه ابن السَّراج وأبو علي.
قال الواحديُّ : لفظ « النار » مؤنث، ينبغي أن يقال : وبئست الورد المورود، إلاَّ أنَّ لفظ « الورد » مذكر؛ فكان التَّذكيرُ والتَّأنيثُ جائزين، كما تقولُ : نعم المنزلُ دارك، ونعمت المنزل دارك، فمن ذكَّر عن المنزل ومن أنَّث عن الدَّار.
فصل
والمعنى : أدخلهم النَّار وبئس المدخلُ المدخولُ؛ وذلك لأنَّ الورد إنَّما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد، والنَّار ضدُّه.
ثم قال :﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هذه لَعْنَةً ﴾ أي : أنَّ اللَّعن من الله، والملائكة، والأنبياء ملتصقٌ بهم في الدُّنيا والآخرة لا يزولُ عنهم، كقوله :﴿ وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين ﴾ [ القصص : ٤٢ ].
ثم قال :﴿ بِئْسَ الرفد المرفود ﴾ والكلامُ فيه كالذي قبله. وقوله :﴿ وَيَوْمَ القيامة ﴾ عطفٌ على موضع « في هَذِه » والمعنى : أنَّهُم ألحِقُوا لعنةً في الدُّنيا وفي الآخرة، ويكونُ الوقف على هذا تامًّا، ويبتدأ بقوله « بِئْس ».
وزعم جماعةٌ أنَّ التَّقسيم : هو أنَّ لهم في الدُّنيا لعنةً، ويوم القيامةِ بِئْس ما يرفدُون به، فهي لعنةٌ واحدةٌ أولاً، وقبح إرفاد آخراً. وهذا لايصحُّ؛ لأنه يُؤدّي إلى إعمال « بِئْسَ » فيما تقدم عليها، وذلك لا يجُوزُ لعدم تصرُّفها؛ أمَّا لو تأخَّر لجاز؛ كقوله :[ الكامل ]
٣٠١٤- ولَنْعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنتَ إذَا | دُعِيِتْ نَزالِ ولُجَّ في الذُّعْر |