الثانية : قراءة اليزيدي وسليمان بن أرقم « لمَّا » مشددة منونة، لمْ يتعرَّضُوا لتخفيف « إنَّ » ولا تشديدها.
الثالثة : قراءة الأعمش وهي في حرف ابن مسعود كذلك :« وإنْ كلٌّ » بتخفيف « إن » ورفع « كل ».
الرابعة : قال أبو حاتم : الذي في مصحف أبي « وإنْ من كلّ إلاَّ ليُوفِّينهُمْ » وقد اضطرب الناسُ فيه اضطراباً كثيراً، حتى قال أبو شامة وأمّا هذه الآية فمعناها على هذه القراءات من أشكل الآيات؛ قال شهاب الدين فأمَّا قراءةُ الحرميين ففيها إعمال « إن » المخففة، وهي لغةٌ ثانيةٌ عن العرب. قال سيبويه :« حدَّثنا من نثقُ به أنَّه سمع من العرب من يقول :» إنْ عمراً لمُنْطلقٌ « ؛ كما قالوا :[ الهزج ].٣٠٢٠-.................. | كَانْ ثَدْيَيْهِ حُقَّان |
قال : وَوَجْهُه من القياس : أنَّ » إنْ « مُشبهةٌ في نصبها بالفعل، والفعلُ يعمل محذُوفاً كما يعمل غير محذوفٍ، نحو :» لَمْ يكُ زيداً مُنطلقاً « » فلا تكُ في مريةٍ « وكذلك : لا أدْر.
قال شهابُ الدٍّين : وهذا مذهبُ البصريين، أعني : أنَّ هذه الأحرف إذا خُفِّف بعضها جاز أن تعمل، وأن تهمل ك :» إنْ « والأكثرُ الإهمالُ، وقد أجمع عليه في قوله :﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [ يس : ٣٢ ] وبعضها يجبُ إعماله ك » أنْ « بالفتح، و » كأنْ « ولكنَّهُما لا يعملان في مظهر ولا ضمي بارز إلا ضرورة، وبعضها يجب إهماله عند الجمهور ك » لكن «.
وأمَّا الكوفيون فيُوجبون الإهمال في » إن « المخففةِ، والسَّماعُ حُجَّةٌ عليهم؛ بدليل هذه القراءة المتواترة؛ وقد أنشد سيبويه على إعمال هذه الحروف مخففة قول الشَّاعر :[ الطويل ]٣٠٢١-.............. | كَأنْ طبيةٌ تَعْطُو إلى وِارقِ السَّلم |
وقال الفراء : لم نسمع العربَ تُخفِّفُ وتعملُ إلا مع المكنيِّ؛ كقوله :[ الطويل ]٣٠٢٢- فلو أنْكِ في يومِ الرَّخاءِ سألتني | طلاقكِ لمء أبْخَلْ وأنتِ صديقُ |
قال :» لأنَّ المكني لا يظهرُ فيه إعرابٌ، وأمَّا مع الظاهر فالرفع « وقد تقدَّم ما أنشدهُ سيبويه، وقول الآخر :[ الرجز ]
٣٠٢٣- كأنْ وريديهِ رشاءُ خُلْبِ... الرَّشاء : الحَبْلُ. والخُلْبُ : اللِّيفُ هذا ما يتعلق ب » إنْ «.
وأمَّا » لما « في هذه القراءة فاللاَّمُ فيها هي لامُ » إنْ « الدَّاخلةُ في الخبر، » ومَا « يجوز أن تكون موصولة بمعنى » الذي « واقعةً على ما يعقلُ، كقوله تعالى :﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٣ ]، فأوقع » ما « على العاقل، واللاَّمُ في » ليُوفِّينَّهُمْ « جوابُ قسم مضمر، والجملةُ من القسم وجوابه صلةٌ للموصولِ، والتقديرُ : وإن كلاًّ للذين والله ليُوفِّينَّهُمْ، ويجوز أن تكون » ما « نكرةً موصوفة، والجملة القسمية وجوابها صفةٌ ل » ما « والتقدير وإنْ كلاًّ لخلقٌ أو لفريقٌ والله ليوفينَّهم.