وأما قراءةُ اليزيدي وابن أرقم « لمَّا » بالتشديد منونة ف « لمَّا » فيها مصدرٌ من قولهم :« لمَمْتُه- أي : جمعته - لمَّا » ومنه قوله تعالى :﴿ وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً ﴾ [ الفجر : ١٩ ] ثم في تخريجه وجهان :
أحدهما : ما قاله أبو الفتح، وهو أن يكون منصوباً بقوله :« ليُوفِّينَّهُمْ » على حدِّ قولهم : قياماً لأقومنَّ؛ وقعوداً لأقَعدنَّ، والتقديرُ : توفيةً جامعةً لأعمالهم ليوفينهم، يعني أنه منصوبٌ على المصدر الملاقي لعامله في المعنى دون الاشتقاق.
والثاني : ما قالهُ أبو علي الفارسي وهو : أن يكون وصفاً ل « كُلّ » وصفاً بالمصدر مبالغة، وعلى هذا فيجبُ أن يقدَّر المضافُ إليه « كل » نكرةً، ليصحَّ وصفُ « كل » بالنَّكرةِ، إذْ لو قُدِّر المضافُ معرفة لتعرَّفتْ « كل »، ولو تعرَّفت لامتنع وصفُها بالنَّكرةِ، فلذلك قُدِّر المضافُ إليه نكرة، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً ﴾ [ الفجر : ١٩ ] فوقع « لمَّا » نعتاً ل « أكْلاً » وهو نكرةٌ.
قال أبو علي : ولا يجوز أن يكون حالاً؛ لأنه لا شيء في الكلام عاملٌ في الحالِ. وظاهرُ عبارة الزمخشري أنَّهُ تأكيدٌ تابعٌ ل « كلاًّ » كما يتبعها أجمعون، أو أنَّهُ منصوبٌ على النَّعت ل « كُلاًّ » فإنه قال :« وإنْ كلاًّ لمًّا ليُوفِينَّهُمْ » كقوله :« أكْلاً لمًّا » والمعنى : وإن كلاًّ ملمومين بمعنى : مجموعين، كأنه قيل : وإن كلاًّ جميعاً كقوله تعالى :﴿ فَسَجَدَ الملاائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [ الحجر : ٣٠ ] انتهى لا يريدُ بذلك أنَّهُ تأ : يدٌ صناعيُّ، بل فسَّر معنى ذلك وأراد : أنَّهُ صفةٌ ل « كُلاًّ » ولذلك قدَّرهُ : بمجموعين، وقد تقدَّم في بعض توجيهات « لمَّا » بالتَّشديد من غير تنوين، أنَّ المنون أصلا، وإنَّما أُجري الوصلُ مجرى الوقف، وقد عُرف ما فيه وخبر « إنْ » على هذه القراءة هي جلمة القسمِ المقدَّرِ وجوابه سواءَ في ذلت تخريجُ أبي الفتح وتخريجُ شيخه.
وأمَّا قراءةُ الأعمشِ فواضحةٌ جداًّ، وهي مفسَّرةٌ لقراءة الحسنِ المتقدَّمة، لولا ما فيها من مخالفة سوادِ الخط.
وأمَّا قراءةُ ما في مصحفِ أبي كما نقلها أبُو حاتم ف « إنْ » فيها نافية، و « مِنْ » زائدةٌ في النَّفي، و « كل » مبتدأ، و « ليُوفِّينَّهُم » مع قسمة المقدَّر خبرها، فتؤول إلى قراءة الأعمش التي قبلها، إذ يصيرُ التقديرُ بدون « مِنْ » :« وإنْ كلٌّ إلاَّ ليُوفِّينَهُم » والتنوين في « كلاً » عوضٌ من المضافِ إليه قال الزمخشري : يعني : وإنَّ كُلُّهُم، وإنَّ جميع المختلفين فه. وقد تقدَّم أنَّهُ على قراءةِ « لمًّا » بالتنوين في تخريج أبي عليّ لهُ، لا يقدَّر المضافُ إليه « كل » إلاّ نكرةً لأجْلِ نعتها بالنَّكرةِ.
التوكيد ب « إنَّط وب » كُلّ « وبلام الابتداءِ الدَّاخلة على خبر » إنَّ « وبزيداة » ما « عل رأي، وبالقسم المقدَّر وباللاَّم الواقعة جواباً له، وبنون التوكيد، وبكونها مشددة، وإردافها بالجملة لاتي بعدها من قوله ﴿ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فإنَّه يتضمَّنُ وعيداً شديداً للعاصي، ووعداً صالحاً للطَّائع.


الصفحة التالية
Icon