الوجه الثاني : أنه تعالى قال :﴿ إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ﴾ وهذا يقتضي أنَّ من صلًَّى طرفي النَّهار كان إقامتهما كفارة لكلّ ذنب، فبتقدير أن يقال : إنَّ سائرَ الصلوات واجبة إلاَّ أنَّ إقامتها يجب أن تكون كفارة لترك سائر الصلوات، وهذا القولُ باطلٌ بإجماع الأمَّةِ فلا يلتفتُ إليه.
فصل
قيل قي قوله تعالى :﴿ وَزُلَفاً مِّنَ الليل ﴾ أنه يقتضي الأمر بإقامة الصلاة في ثلاث زلفٍ من الليل؛ لأنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة، والمغربُ والعشاءُ وقتان؛ فجيب الحكمُ بوجوب الوتر.
قوله :﴿ إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ﴾ قال ابن عبَّاسِ : إنَّ الصَّلوات الخمس كفارة لسائر الذُّنوب بشرط الجتناب الكبائر ووري عن مجاهدٍ - رحمه الله - :« إنَّ الحسنات هي قول العبد : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وروي أنَّها نزلت في أبي اليسر، قال : أتتني امرأة تبتاع تَمْراً، فقلتُ لها إنَّ في بتي تَمراً أطيب من هذا؛ فدخلت معي في البيت، فأهويت إليها فقبَّلتُهَا، فأَيْتُ أبا بكر- رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين- فذكرتُ ذلك له فقال : اسْتُرْ على نفسك وتب، فأتيتُ عمر - رضي الله عنه- فقالك اسْتُرْ على نفسك وتُب فلم أصْبِرْ، فأتيتُ رسول الله ﷺ فذكرتُ ذلك، فقال :» أخلفت غازياً في سبيل الله في أهلهِ بمثلِ هذا؟ « حتَّى تمنَّى أنَّهُ لمْ يكُنْ أسلم إلاَّ تلك السَّاعة حتَّى ظنَّ أنَّهُ من أهْلِ النَّارِ فأطرق رسول الله ﷺ حتَّى أوحي إليه ﴿ وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار ﴾ الآية، فقال أصحاب رسول الله ﷺ ألِهذا خاصة أم للناس عامة؟ قال :» بَلْ للنَّاسِ عامَّة « وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أنَّ رسول الله ﷺ كان يقول :» الصَّواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضان مُكفّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتُنِبت الكبائِرَ «.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ - قال :» أرأيتُم لوْ أنَّ نهراً بباب أحكمْ يغتَسِلُ فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ، هل يبْقَى من دَرَنِهِ شيءٌ « ؟ قالوا : لا، قال :» فذلِكَ مثلُ الصَّلواتِ الخمسِ، يَمْحُوا اللَّهُ بهنَّ الخطايا «.
فصل
احتجَّ من قال إنَّ المعصية لا تضرُّ مع الإيمان بهذه الآية؛ لأنَّ الإيمان أشرفُ الحسنات، وأجلها، وأعظمها، ودلَّت الآية على أنَّ الحسنات تذهبُ السيئات، والإيمان يذهب الكفر الذي هو أعلى درجة في العصيان؛ فلأن يذهب المعصية التي هي أقل درجة أولى، فإن لم يفد إزالة العقاب بالكلية فلا أقلَّ من أن يفيد إزالة العقابِ الدَّائم المؤبَّد.
ثم قال تعالى :﴿ ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ أي : ذلك الذي ذكرناه، وقيل : إشارة إلى القرآن » ذِكْرَى « موعظة، » للذَّاكرينَ « أي : لمن ذكره » واصْبِرْ « يا محمَّدُ على ما تلقى من الأذى.
وقيل : على الصَّلاة، نظيرهُ : قوله تعالى :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا ﴾ [ طه : ١٣٢ ] ﴿ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين ﴾ في أعمالهم، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما- » يعني المصلِّينَ «.