قرأ العامَّةُ :« اتَّبَعَ » بهمزة وصلٍ وتاءِ مشددةٍ، وياءٍ، مفتوحتين، فعلاً ماضياً مبنياً للفاعل وفيه وجهان :
أحدهما : أنَّهُ معطوفٌ على مضمرٍ.
والثاني : أنَّ الواو للحالِ لا للعطفِ، ويتَّضحُ ذلك بقول الزمخشري فإن قلت : علام عطف قوله :﴿ واتبع الذين ظَلَمُواْ ﴾ ؟ قلت : إن كان معناه : واتَّبعُوا الشَّّهواتِ كان معطوفاً على مضمرٍ؛ لأنَّ المعنى : إلاَّ قليلاً ممَّنْ أنجينا منهم نُهُا عن الفسادِ، واتَّبع الذين ظلمُوا شهواتهم، فهو عطفٌ على « نُهُوا » وإنْ كان معناه : واتَّبعُوا جزاءَ الإترافِ، فالواو للحال، كأنَّه قيل : أنْجَيْنَا القليل، وقد اتتبع الذين ظلموا جزاءهم.
فجوز في قوله :« مَا أتْرِفُوا » وجهين :
أحدهما : أنَّه مفعول من غير حذف مضافِ، و « مَا » واقعة على الشَّوات وما بطرُوا بسببه من النِّعم.
والثاني : أنَّهُ على حذف مضاف، أي : جزاء ما أتْرِفُوا، ورتَّب على هذين الوجهين القول في « واتَّبَع ».
والإتْراف : إفعالٌ من التَّرف وهو النِّعمة، يقال : صبيُّ مترفٌ، أي : مُنْعَم البدن، وأتْرِفُوا نَعِمُوا وقيل : التَّرفُّهُ : التوسُّع في النِّعمةِ.
وقال مقاتلٌ :« أتْرِفُوا » خُوَّلُوا.
وقال الفراء : عُوِّدُوا، أي : واتَّبع الذين ظلمُوا ما عُوِّدُوا من النَّعيم، وإيثار اللذات على الآخرة.
وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي، وأبو جعفر « وأتْبعَ » بضم همزة القطع وسكون التَّاءِ وكسر الباء مبنيَّا للمعفول، ولا بدَّ حينئذِ من حذف مضاف، أي : أتبعُوا جزاء ما أترفُوا فيه.
و « ما » يجوز أن تكون معنى « الذي، وهو الظَّاهرُ لعودِ الضمير في » فيه « عليه، ويجوز أن تكون مصدرية، أي : جزاء إترافهم.
قوله » وكانُوا مُجْرمينَ « كافرين وفيه ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أن تكون عطفاً على » أْرِفُوا « إذا جعلنا » ما « مصدرية، أي : اتَّبعوا إترافهم وكونهم مجرمين.
والثاني : أنه عطفٌ على » اتَّبَعَ «، أي : اتَّبَعُوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك، لأنَّ تابعَ الشَّواتِ مغمورٌ بالآثامِ.
الثالث : أن يكون اعتراضاً وحكماً عليهم بأنَّهُم قومٌ مجرمون ذكر ذلك الزمخشريُّ.
قال أبو حيَّان :» ولا يُسَمَّى هذا اعتراضاً في اصطلاح النَّحْو؛ لأنه آخرُ آيةٍ، فليس بين شيئين يحتاج أحدهما إلى الآخر «.
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ ﴾ الآية.
في » لِيُهْلِكَ « الوجهان المشهوران، وهما : زيادة اللام في خبر :» كان « دلالةً على التَّأكيد- كما هو رأي الكوفيين- أو كونها متعلقة بخبر » كان « المحذوف، وهو مذهبُ البصريي، و » بِظُلْمِ « متعلق ب » يُهْلِكَ « والباءُ سببيةٌ، وجوَّز الزمخشريُّ أن تكون حالاً من فاعل » لِيُهْلِكَ «، وقوله » وأهْلُهَا مُصْلِحُون « جملة حالية.
فصل
قيل : المرادُ بالظلم هنا : الشرك، قال تعالى : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ