ثم قال تعالى :﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ وتم حكم ربك ﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ ﴾ فقوله :« أجْمَعِينَ » تأكيد، والأكثر أن يسبق ب « كُل » وقد جاء هنا دونها.
والجنَّةُ والجِنُّ : قيل : واحد، والتاء فيه للمبالغة.
وقيل : الجنَّةُ جمع جِنّ، وهو غريبٌ، فيكون مثل « كَمْءِ » للجمع، و « كَمْأة » للواحد.
قوله تعالى :﴿ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ الآية.
لمَّا ذكر القصص الكثيرة في هذه السورة، ذكر في هذه الآية نوعين من الفائدة.
أحدهما : تثبيت الفؤاد على أداء الرِّسالة، وعلى الصَّبر واحتمال الأذى؛ وذلك لأنَّ الإنسان إذا ابتلي بمحنة وبلية، فإذا رأى له فيه مشاركاً خف ذلك على قلبه؛ كما يقال : المصيبة إذا عمت خفت، فإذا سمع الرسول ﷺ هذه القصص، وعلم أنَّ حال جميع الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- مع أتباعهم هكذا، سهل عليه تحمل الأذى من قومه، وأمكنه الصبر عليه.
والفائدة الثانية : قوله ﴿ وَجَآءَكَ فِي هذه الحق وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَكُلاًّ نَّقُصُّ ﴾ في نصبه أوجه :
أحدها : أنه مفعولٌ به، والمضاف إليه محذوفٌ، عوض منه التنوين، تقديره : وكلُّ نبأ نقصُّ عليك.
و « مِنْ أنباءِ » بيانٌ له أو صفةٌ إذا قُدِّر المضاف إليه نكرة.
وقوله :﴿ مَا نُثَبِّتُ بِهِ ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من :« كُلاًّ » وأن يكون خبر مبتدأ مضمر : أي : هو ما نُثَبِّتُ، أو منصوبٌ بإضمار أعني.
الثاني : أنه منصوبٌ على المصدر، أي : كلَّ اقتصاصٍ نقصُّ، و « مِنْ أنباءِ » صفةٌ : أو بيان، و « ما نُثَبتُ » هو مفعول « نَقُصُّ ».
الثالث : كما تقدم، إلاَّ أنه يجعل « ما » صلة، والتقدير : وكلاًّ نقصُّ من أبناءِ الرُّسُل نُيَبِّتُبه فؤادك، كذا أعربه أبو حيان وقلا : كَهِي في قوله :﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣ ].
الرابع : أن يكون « كُلاًّ » منصوباً على الحال من « ما نُثَبِّتُ » وهي في معنى :« جَمِيعاً » وقيل : بل هي حال من الضمير في « بِهِ » وقيل : بل هي حالٌ من « أنْبَاء » وهذان الوجهان إنما يجوزان عند الأخفش، فإنَّهُ يجيزُ تقديم حال المجرورِ بالحف عليه؛ كقوله تعالى :﴿ والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [ الزمر : ٦٧ ] في قراءة من نصب « مَطويَّاتٍ » وقول الآخر :[ الكامل ]