﴿ وَأَنزْلْنَا الحديد ﴾ [ الحديد : ٢٥ ] ﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ﴾ [ الزمر : ٦ ].
قوله :﴿ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ ﴾ في « أم » هذه وجهان :
أحدهما : أنها متصلةٌ عاطفةٌ، تقديره : أخبروني : آللهُ أذِنَ لكم في التحليل والتحريم، فإنكم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبُون على الله في نسبة ذلك إليه.
والثاني : أن تكون منقطعةً.
قال الزمخشري :« ويجوز أن تكون الهمزةُ للإنكارِ، و » أمْ « منقطعةٌ بمعنى : بل أتَفْتَرُونَ على الله، تقريراً للافتراء » والظَّاهرُ هو الأولُ؛ إذ المعادلةُ بين الجملتين اللتين بمعنى المفرد واضحةٌ، إذ التقدير : أيُّ الأمرين وقع إذن الله لكم في ذلك، أم افتراؤكم عليه؟.
فصل
المراد بالشَّيء الذي جعلوه حراماً : ما ذكروه من تحريم السائبة، والوصيلة، والحام، وقولهم ﴿ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ﴾ [ الأنعام : ١٣٨ ] ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً ﴾ [ الأنعام : ٣٦ ]، وقولهم :﴿ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا ﴾ [ الأنعام : ١٣٩ ] وقولهم :﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين ﴾ [ الأنعام : ١٤٣ ] ويدلُّ على ذلك : أنَّ قوله :﴿ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً ﴾ إشارة إلى أمر تقدَّم منهم، ولمْ يحكِ الله - تعالى - عنهم إلاَّ هذا؛ فوجب توجيه الكلام إليه، ثم لمَّا حكى تعالى ذلك عنهم، قال لرسوله :﴿ قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ ﴾ وهذه قسمةٌ صحيحةٌ؛ لأنَّ هذه الأحكام : إمَّا أن تكون من الله - تعالى -، أو لم تكن، فإن كانت من الله فهو المراد بقوله :﴿ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ﴾ وإنْ كانت ليست من الله، فهو المراد بقوله :﴿ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ ﴾.
فصل
استدلَّ نفاةُ القياس بهذه الآية على بُطلان القياس.
قال القرطبيُّ :« وهو بعيدٌ؛ لأنَّ القياس دليلُ قول الله - تعالى -؛ فيكون التَّحْليل والتَّحريم من الله - تعالى -، عند وجود دلالة نصبها الله تعالى على الحكم، فإن خالف في كون القياس دليلاً لله - تعالى -، فهو خروجٌ عن هذا الغرض، ورجوعٌ إلى غيره ».
قوله :﴿ وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ ﴾ :« ما » مبتدأة استفهامية، و « ظَنَّ » خبرها، و « يَوْمَط منصوبٌ بنفس الظنِّ، والمصدر مضافٌ لفاعله، ومفعولا الظن محذوفان، والمعنى : وأيُّ شيءٍ يظُنُّ الذين يفترون يوم القيامة أنِّي فاعلٌ بهم : أأنجيهم من العذاب، أم أنتقمُ منهم؟ وقيل : أيحْسَبُون أنَّ الله لا يؤاخذهم به، ولا يعاقبهم عليه، والمراد منه : تعظيم وعيد من يفتري، وقرأ عيسى بن عمر :» وما طَنَّ الذين « جعله فعلاً ماضياً، والموصولُ فاعله، و » ما « على هذه القراءة استفهاميَّة أيضاً في محلِّ نصب على المصدر، وقُدِّمتْ لأنَّ الاستفهام لهُ صدرُ الكلام، والتقدير : أيَّ ظنَّ المفترون، و » مَا « الاستفهاميَّةُ قد تنُوبُ عن المصدرِ؛ ومنه قول الشاعر :[ البسيط ]
٢٩٠٩- مَاذَا يَغِيرُ ابْنَتَيْ رَبْعٍ عوِيلُهُمَا | لا تَرْقُدان ولا بُؤسى لِمَنْ رَقَدَا |