رُوِي أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين : سلْوا محمَّداً لم انتقل يعقوب من الشَّام إلى مصر؟ وعن كيفيَّة قصَّة يوسف؟ فأنز الله تعالى هذه السورة.
وفي العامل في « إذْ » أوجهٌ :
أظهرها : أنه منصُوب ب « قَالَ يَا بُنَيَّ » أي : قال يعقوب : يا بني وقت قول يُوسف لهُ : كَيْتَ وكَيْتَ، وهذا أسهل الوجوه؛ إذ فيه إبقاء « إذْ » كونها ظرفاً ماضياً.
وقيل : الناسب له :« الغَالفينَ » قاله مكيٌّ.
وقيل : هو منصوبٌ ب « نَقُصُّ » أي : نقصُّ عليك وقتَ قوله كَيْتَ وكَيْتَ، وهذا فيه [ إخراج ] « إذْ » عن المضيِّ، وعن الظرفيَّة، وإن قدَّرت المفعول محذوفاً، أي : نقصُّ عليك الحال وقت قوله، لزم أخراجها عن المضيِّ.
وقيل : هو منصوب بمضمر، أي : اذكُر.
وقيل : هو منصُوب على أنَّه بدل من « أحسن القصص » بدل اشتمال.
قال الزمخشري :« لأنَّ الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص » و « يُوسفُ » اسم عبرانيٌّ، ولذلك لا ينصرف، وقيل : هو عربيٌّ، فقال الزمخشريُّ :« الصَحيحُ أنه اسم عبرانيٌّ؛ لأنه لو كان عربيًّا، لانصرف » وسئل أبو الحسن الأقطع عن الأسف فقال :« الأسف في اللغة : الحُزن، والأسف : العَبْد، واجتمعا في يوسف؛ فسُمِّي بهما ».
روي ابن عمر عن النبيِّ ﷺ قال :« الكَرِيمُِ ابنُ الكَريمِ ابْنِ الكريمِ ابن الكريم، يُوسف بنُ يعقُوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبْراهيمَ صَلواتُ اللهِ وسلامه عليهم أجمعين ».
قوله :« يَا أبَتِ » قرأ ابن عامر : بفتح التَّاء، والباقون بكسرها، وهذه التَّاء عوض عن ياء المتكلم؛ ولذلك لا يجوز الجمع بينهما.
وهذا مختصٌّ بلفظتين : يا أبَتِ ويَا أمَّتِ، ولا يجُوز في غيرهما من الأسماء، لو قلت :« يَا صَاحِبتِ » لم يجُز ألبتَّة؛ كما اختصَّت لفظة الأم والعم بحكم في نحو :« يا ابْنَ أمَّ » ويجوز الجمع بين هذه التَّاء، وبين كلِّ من الياءِ والألفِ ضرورةً؛ كقوله :[ الرجز ]
٣٠٤٤ يَا أبَتَا عَلَّكَ أوْ عَسَاكَا... وقول الآخر :[ المتقارب ]

٣٠٤٥ أيَا أبَتَا لا تَزْلْ عِنْدنَا فإنَّا نَخافُ بأنْ تُخْتَرَمْ
وقول الآخر :[ الطويل ]
٣٠٤٦ أيَا أبَتِي لا زلْتَ فينَا فإنَّمَا لنَا أمَلٌ فِي العَيْشِ ما دُمْتَ عَائِشَا
وكلامُ الزمخشريِّ يؤذن بأنَّ الجمع بين التَّاء والألفِ ليس ضرورةً؛ فإنَّه قال :« فإن قلت : فما هَذه الكسْرة؟ قلتُ : هي الكسْرة الَّتي كَانتْ قبل الياءِ في قولك :» يا أبي « قد زُحلقَتْ إلى التاء؛ لاقتضاء تاءِ التَّأنيث أن يكُون ما قبْلَها مفتوحاً.
فإن قلت : فما بالُ الكسرة لم تَسْقُطْ بالفَتْحَة الَّتي اقْتَضَتْهَا التَّاء، وتبقَى التَّاءُ ساكنةً؟.
قلت : امتنع ذلك فيها؛ لأنَّها اسم، والأسماءُ حقُّها التحريكُ؛ لأصالتها في الإعراب، وإنما جاز تسكينُ الياء، وأصلها أن تحرَّك تخفيفاً؛ لأنها حرف لين، وأما التاء، فحرفٌ صحيحٌ، نحو كافِ الضمير؛ فلزم تحريكها.


الصفحة التالية
Icon