فصل
قال أبو سلمة : كنت أرى الرُّؤيا تهُمُّنِي، حتى سمعتُ أبا قتادة يقول : كنت أرى الرُّؤيا، فتُمْرضُنِي، حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول :« الرُّؤيا الصَّالحة من الله، فإذا رأى أحَدكُمْ ما يُحِبُّ، فلا يُحدِّثْ به إلاَّ من يحبُّ، وإذا رَأى ما يكرهُ، فلا يُحدِّثْ به، وليتفُل عن يساره، وليَتَعوَّذْ باللهِ من الشيطانِ الرَّجيم، من شر ما رأى فإنَّها لنْ تَضْره » وقال ﷺ :« الرُّؤيا جُزءٌ من أربعينَ أو ستَّة وأربعينَ جُزءاً من النُّبوَّةِ، وهيَ على رجل طائرْ فإذا حدَّث بها وقعتْ ». قال الراوي : وأحسبه قال :« لاتُحدِّثْ بِهَا حَبِيباً، أوْ لَبِيباً ».
قال الحكماء : الرؤيا الرَّديئة يظهرُ تعبيرُها عن قُرب، والرُّؤيا الجيَّدة، إنَّما يظهر تعبيرُها بعد حين، قالوا : والسَّبب فيه أنَّ رحمة الله تقتضي ألاَّ يحصل الإعلام بوصُول الشَّر، إلا عند قُرب وصُوله حتى يقل الحُزْنُ، والغَمُّ الحاصِل بسبب توقُّعِه، وأمَّا الإعلام بالخير، فإنه يحصُل متدِّماً على ظهوره، بزمانٍ طويلٍ؛ حتى يكون السُّرورُ الحاصِل بسبب توقُّع حصُولهِ كَثِيراً.
فصل
قال القرطبيُّ :« الرُّؤيا حالةٌ شريفة، ومنزِلةٌ رفيعَةٌ، قال ﷺ :» لَمْ يَبقَ بعدي من المبشراتِ إلاَّ الرُّؤيا الصَّالحة، يَراهَا [ الرجل ] الصَّالحُ، أو ترى له « وقال ﷺ :[ أصْدقُكم رُؤيَا، أصدقكُمْ حَديثاً، وحكم ﷺ ] بأنَّها جزءٌ من ستَّةٍ وأرْبعينَ جُزءاً من النُّبوَّة وروي : من سبعين، وروي : من [ تسعة ] وأرْبعينَ، وروي : من خَمسِينَ جُزءاًن ورويك من ستَّةٍ وعشْرينَ جُزءاً من النُبوَّةِ، وروي : من أرْبعينَ، والصحيح : حديث السِّت والأربعين، ويتلوه في الصِّحة حديث السَّبعين.
فإن قيل : إن يوسف ﷺ ت كان صغيراً، والصغير لا حكم لفعله، فكيف يكون لرُّؤياه حكم، حتى يقول له أبو :﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ ﴾.
فالجواب : أن الرُّؤيا إدراكُ حقيقةٍ، فتكون من الصَّغير كما يكُون منه الإدراك الحقيقيُّ في اليقظة، وإذا أخبر عمَّا رأى في اليقظة، صدق؛ فكذلك إذا أخبر عمَّا رأى في المنامِ، ورُوِي : أن يوسف ﷺ كان ابن اثنتي عشر سنة.
فصل
في الآية دليلٌ على أن الرُّؤيا لا تقصُّ على غير شقيق ولا ناصح، ولا على امرىءٍ لا يحسن التأويل فيها.
وروى الترمذيُّ : أن النبي ﷺ قال :» الرُّؤيا برجْل طائرْ، ما لَمْ يحدِّث بها صَاحبُهَا، فإذا حدَّث بها، وقعتْ، فلا تُحدِّثُوا بهَا إلا عارفاً، أو مُحبًّا، أوْ ناصحاً «.
قوله ﴿ وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ الكاف في موضع نصب، أو رفع.
فالنَّصبُ إما على الحال من ضمير المصدر المقدَّر، وقد تقدم أنه رأي سيبويه، وإمَّا على النعت لمصدر محذوف، والمعنى : مثل ذلك الاجتباء العظيم يجتبيك.