قوله :﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا ﴾ اللام في « ليُوسفُ » : لام الابتداء أفادت توكيداً لمضمون الجملة، وأرادُوا أنَّ زيادة محبَّته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه « وأخُوهُ » ك هو بنيامين، وإنَّما قالوا :« وأخُوهُ » وهُمْ جَمِيعاً إخوة؛ لأن أمُّهُمَا كانت واحدة، و « أحَبُّ » أفعل تفضيلن وهو مبنيٌّ من « حُبَّ » المبنيِّ للمفعُول، وهو شاذٌّ، وإذا بنيت أفعل التَّفضيل، من مادَّة الحُبِّ والبغضِ، تعدَّى إلى الفاعل المعنوي ب « إلى » وإلى المفعول المعنوي ب « اللام، أو ب » في « فإذا قلتَ : زيدٌ أحبُّ إِليَّ من بكرٍ، تعني : أنك تحبُّ زيداً أكثر من بكر، فالمُتكلِّم هو الفاعل، وكذلك :» هو أبغضُ إليَّ منْهُ « أنت المبغض، وإذا قلت : زيدٌ أحبُّ إليَّ من عمرو، أو أحَبُّ فيَّ مِنهُ، أي : إنَّ زيداً يُحِبُّني أكثر من عمْرِو؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٣٠٥٠ لعَمْرِي لَسعْدٌ حَيْثُ حُلِّتْ دِيَارهُ أحَبُّ إليْنَا مِنْكَ فافرَسٍ حَمِرْ
وعلى هذا جاءت الآية الكريمة؛ فإن الإب هو فاعل المحبَّة.
و »
أحَبُّ « : خير المبتدأ، وإنَّما لم يطابق؛ لما عرفت من حكم أفعل التَّفضيل.
وقيل : اللاَّم في :»
ليُوسُفُ « : جواب القسم، تقديره : والله ليُوسف وأخُوه، والواوُ في :» ونَحْنُ عُصْبَةٌ « : للحال، فالجملة بعدها في محلِّ نصب على الحال، والعامة على رفع » عُصْبةٌ « خبراً ل » نَحْن «.
وقرأ أمير المؤمنين رضي الله عنه بنصبها على أنَّ الخبر محذوف، والتقدير : ونحن نرى أو نجتمع، فتكون »
عُصْبَةٌ « حالاً، إلا أنَّه قليلٌ جدًّا؛ وذلك لأنَّ الحال لا يسدُّ مسدَّ الخبر إلا بشُروطٍ ذكرها النُّحاة، نحو : ضربي زيداً قَائِماً، وأكثر شُربِي السُّويق مَلْتُوتاً.
قال ابن الأنباري :»
هذا كما تقُولُ العربُ : إنَّمَا العَامريُّ عمَّتهُ، أي : يتعمم عِمَّته «.
قال أبو حيَّان :»
وليس مثله؛ لأن « عُصْبَةٌ » ليس بمصدر ولا هيئة، فالأجود أن يكون من باب : حُكمُكَ مُسمَّطاً «.
قال شهاب الدِّين :»
ليس مراد ابن الأنباري إلاَّ التشبيه؛ من حيث إنه حذف الخبر، وسدَّ شيءٌ آخر مسدَّه في غير المواضع المُنقَاس فيها ذلكن ولا نظر لكون المنصُوب مصدراً أو غيره «.
وقال المبرد : هو من باب :»
حُكمُك مُسمًّطاً « أي : لك حكمك مسمَّطاً، قال الفرزدقُ :
٣٠٥١ يا لهْذَمُ حُكْمُكَ مُسَمَّطاً أراد لك حكمك مُسمَّطاً.
قال : واستعمل هذا فكثُر حتى حذفَ استخفافاً؛ لعلم ما يريد القائل؛ كقولك : الهلال والله، أي : هذا الهلال، والمُسَمَّط : المرسل غير المردُودِ وقدره غير المبرِّد : حكمُك ثبت مُسمَّطاً، وفي هذا المثال نظر؛ لأن النَّحويِّين يجعلُون من شرط سدِّ الحالِ مسدّ الخير : أن لا يصلُح جعل الحالِ خبراً لذلك المبتدأ، نحو : ضَرْبِي زيداً قائماً، بخلاف :»
ضَرْبِي زيْداً شديدٌ « فإنَّها ترفع على الخبريَّة، وتخرُج المسألة من ذلك، وهذه الحال، أعني :» مُسَمَّطاً « يصلح جعلها خبراً للمبتدأ، إذ التقدير : حكم مرسل لا مردودٌ، فيكون هذا المثل على ما تقرَّر من كلامهم شاذًّا.


الصفحة التالية
Icon