قوله :﴿ وَتَكُونَ لَكُمَا الكبريآء فِي الأرض ﴾ الكبرياء : اسمُ « كان »، و « لكم » : الخبر، و « في الأرض » : جوَّز فيها أبو البقاء خمسة أوجه :
أحدها : أن تكون متعلقة بنفس الكبراي.
الثاني : أن يتعلق بنفس « تكون ».
الثالث : أن يتعلَّق بالاستقرار في « لكم » لوقوعه خبراً.
الرابع : أن يكون حالاً من « الكبرياء ».
الخامس : أن يكون حالاً من الضَّمير في « لَكُمَا » لتحمُّلِه إيَّاهُ «. والكبرياء مصدرٌ على وزن » فِعْلِيَاء «، ومعناها : العظيمة؛ قال عديُّ بن الرِّقَاعِ :[ الخفيف ]٢٩٢٣- سُؤدُدٌ غَيْرُ فَاحِشٍ لا يُدَانِي | يه تجبَّارةٌ ولا كِبْرياءُ |
وقال ابن الرّقيات يمدح مصعب بن الزبير :[ الخفيف ]٢٩٢٤- مُلْكُهُ مُلْكُ رَأفَةٍ ليس فيه | جَبَرُوتٌ مِنْهُ ولا كِبْرِيَاءُ |
يعني : هو ليس عليه ما عليه المملوكُ من التجبُّر والتَّعظيم.
والجمهور على » تكون « بالتَّأنيث مراعاةً لتأنيث اللفظ.
وقرأ ابن مسعود، والحسن، وإسماعيل وأبو عمرو، وعاصم - رضي الله عنهم - في روايةٍ :» يكون « بالياء من تحت؛ لأنَّه تأنيثٌ مجازيٌّ.
قال المفسِّرون : والمعنى : ويكون لكُما الملكُ والعزُّ في أرض مصر، والخطابُ لموسى، وهارون - عليهما الصلاة والسلام -.
قال الزَّجَّاج : سمى الملك كبرياء؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا، وأيضاً : فالنبيُّ إذا اعترف القوم بصدقه، صارت مقاليدُ أرم أمته إليه؛ فصار أكبر القوم.
واعلم : أنَّ القوم لمَّا ذكروا هذين الشيئين في عدم اتِّباعهم، وهما : التَّقليد، والحرصُ على طلب الرِّياسة، صرَّحُوا بالحكم، فقالوا :﴿ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾، ثم شرعُوا في معارضةِ معجزات موسى - ﷺ - بأنواعٍ من السحر؛ ليظهر عند الناس أن ما أتى به موسى من باب السِّحْر، فقال فرعون :﴿ ائتوني بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾.
قرأ الأخوان : سحَّار وهي قراءةُ ابن مُصرِّف، وابن وثَّاب، وعيسى بن عمر.
﴿ فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ ﴾.
فإن قيل : كيف أمرهُم بالسِّحْر، والسِّحر كفر، والأمر بالكفر كُفْرٌ؟.
فالجواب : أنَّه - ﷺ - أمرهم بإلقاء الحِبال والعِصيّ؛ ليظهر للخلق أن ما أتوا به عملٌ فاسدٌ، وسعيٌ باطلٌ، لا أنَّه - ﷺ - أمرهم بالسِّحْرِ؛ فلمَّا ألقوا حبالهم وعصيَّهُم، قال لهم موسى : ما جئتم به هو السِّحْر، والغرض منهُ : أنَّهم لمَّا قالُوا لموسى : إنَّ ما جئتَ به سحر، فقال موسى - ﷺ - : إنَّ ما ذكرتمُوه باطلٌ، بل الحقُّ : أنَّ الذي جئتُم به هو السِّحر الذي يظهر بطلانه، ثم أخبرهُم بأن الله يحق الحق، ويبطل الباطل.