فإن قيل : هل يجوز أن تكون المسألة من الإعمال؛ لأن كلاًّ من العاملين يصح تسلُّطه على الحال؟.
فالجواب : لا يجُوز ذلك؛ لأنَّ الإمال يستلزم الإضمار، والحالُ لا تضمر؛ لأنَّها لا تكون إلا نكرةً، أو مؤولةً بها.
قوله :﴿ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ ﴾ فاعل :« يَحْزُنُنِي »، أي : يَحْزُننِي ذهابُكم، وفي هذه الآية دلالة على أنَّ المضارع المقترن بلام الابتداء لا يكون حالاً، والنُّحاة جعلوها من القرائن المخصصة للحال، ووجه الدلالة : أنَّ « أن تذْهَبُوا » مستقبل؛ لاقترانه بحرف الاستقبال، وهي وما في حيِّزها فاعل، فلو جعلنا « ليَحْزُنُنِي » حالاً، لزم سبق الفعل لفاعله، وهو مُحل وأجيبَ عن ذلك بإنَّ الفاعل في الحَقيقَة مقدَّر، حذف هو وقام المضاف إليه مقامه، والتقدير : ليَحْزُوننِي توقع ذهابكم، وقرأ زيد بن علي وابن هرمز، وابن محيصن :« ليَحْزُنِّي » بالإدغام.
وقرأ زيد بن علي :« تُذْهِبُوا بِهِ » بضم التَّاء من « أذْهَبَ » وهو كقوله :﴿ تَنبُتُ بالدهن ﴾ [ المؤمنون : ٢٠ ] في قراءة من ضمَّ التَّاء، فتكون التاء زائدة أو حالية.
والذئبُ يُهْمز ولا يُهْمزُ، وبعدم الهمز قرأ السُّوسيُّ، والكسائيُّ، وورش، وفي الوقف لا يهمزه حمزة، قالوا وهو مشتقٌّ من : تَذاءَبتٍ الرِّيحُ إذَا هَبَّت من كُلِّ جهةٍ؛ لأنه يأتي كذلك، ويجمع على ذائب، وذُؤبان، وأذْؤبح قال :[ الطويل ]

٣٠٦٣ وأزْوَرَ يَمْشِي في بلادٍ بَعيدَةٍ تَعَاوَى بِهِ ذُؤبَانُهُ وثَعالِبُهْ
وأرضٌ مذْأبة : كثيرة الذِّئاب، وذُؤابةٌ الشَّعر؛ لتحرُّكها، وتقلبها من ذلك.
وقوله :﴿ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ : جملة حاليَّة، العامل فيها :« يَأكلهُ ».

فصل


لما طلبوا منه إرسال يوسف عليه السلام معهم اعتذر إليهم بشيئين :
أحدهما : ليُبَيِّن لهم أنَّ ذهابهم به مما يُحزنُه؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعةً.
والثاني : خَوْفه عليه من الذِّب إذا غفلوا عنه برعهيم، أو لعبهم أو لقلة اهتامهم به.
فقيل : إنه رأى في النَّوم أن الذِّئب شدَّ على يوسف فكان يحذره، فألأجل هذا ذكر ذلك. وقيل : إن الذِّئاب كانت كثيرة في أرضهم، فلما قال بعقوب ﷺ هذا الكلام، أجابوه بقولهم :﴿ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ وفائدة اللام في « لَئِنْ » من وجهين :
أحدهما : أن كلمة « إنْ » تفيد كون الشِّرط مستلزماً للجزاء، أي : إن وقعت هذه الواقعة، فنحن خاسرون، فهذه اللام خلت؛ لتأكيد هذا الاستلزام.
والثاني : قال الزمخشري رحمه الله « هذه اللام تدلُّ على إضمار القسم، [ تقديره :] والله لئن أكلهُ الذئب، لكنَّا خاسرين ».
والواوُ في :« ونَحْنُ عُصْبَةٌ » واو الحال؛ فتكون الجملة من قوله :« وَنحْنُ عُصْبةٌ » : جملة حاليَّة. وقيل : معترضة، و ﴿ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ جواب القسم، و « إذاً » : حرف جواب، وحذف جوابُ الشرط، وقد تقدَّم الكلام فيه مشبعاً.


الصفحة التالية
Icon