قال بعضهم : كان بالغاً وكان ابن سبع عشرة سنة. وقال آخرون : كان صغيراً إلا أن الله تعالى أكمل عقله وجعله صالحاً لقبول الوحي والنبوة كما في حق عيسى ﷺ حين قالوا :﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٩ ] فأجابهم بقوله :﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾ [ مريم : ٣٠ ].
والقول الثاني : أن المراد بهذا الوحي : الإلهام، كقوله ﴿ وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى ﴾ [ القصص : ٧ ] ﴿ وأوحى رَبُّكَ إلى النحل ﴾ [ النحل : ٦٨ ]. والأول أولى؛ لأنه الظاهر من الوحي.
فإن قيل : كيف يجعله نبياً في ذلك الوقت وليس هناك أحد يبلغه الرسالة؟.
فالجواب : لا متنع أن يشرفه الله تعالى بالوحي ويأمره بتبليغ الرسالة بعد أوقات ويكون فائدة تقديم الوحي تأنيسه وزوال الغم والوحشة عن قلبه والفائدة في أخفاء ذلك [ الوحي ] عن إخوته : أنهم لو عرفوه فربما ازداد حسدهم فكانوا يقصدون قتله.
فصل
إنما حملنا كقوله تبارك وتعالى ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ بأنك يوسف، أي : لا يعرفونك لبعد المدة وتغير الأحوال، لأن هذا أمراً من الله تعالى ليوسف ف يأن يستر نفسه عن أبيه [ وأن لا يخبره بأحوال نفسه، فلهذا السبب كتم أخبار نفسه عن أبيه ] طول تلك المدة مع علمه بوجد أبيه عليه خوفاً من مخالفة أمر الله تعالى، فصبر على تجرع تلك المرارة، وكان الله سبحانه قد قضى على يعقوب أن يوصل إليه تلك الغموم الشديدة والهموم العظيمة ليوصله إلى الدرجات العالية التي لا يمكن الوصل إليها إلا بتحصيل المحن الشديدة.