فصل
قال ابنُ رفاعة « ينبغي لأهل الرَّاي أن يتَّهِمُوا رأيهم عند ظنّ يعقوب ﷺ وهو نبيٌّ حين قال له بنوه :﴿ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذئب ﴾ [ يوسف : ١٧ ] فقال :﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ﴾ [ يوسف : ١٨ ] فأصاب هنا، ثمَّ لما قالوا له :﴿ إِنَّ ابنك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ [ يوسف : ٨١ ]، قال :﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ ﴾ [ يوسف : ٨٣ ] فلم يُصِبْ ».
فصل
قوله :« فَصْبرٌ جَميلٌ » يدل على أنَّ الصّبر قسمان :
أحدهما : جميلٌ، والآخر : غيرُ جميلٍ، فالصَّبرٌ الجميلُ هو : أن يعرف أنَّ مُنزِّلَ ذلك البلاء هو الله تعالى ثمَّ يعلم أنَّهُ سبحانه مالكُ المُلكِ، ولا اعتراض على المالكِ في أنْ يتصرَّف في ملكه، فيصيرُ استغراق قلبه في هذا المقام مانعاً من الشِّكايةِ.
وأيضاً : يعلمُ أن منزِّل هذا البلاءِ حليمٌ لا يجهلُ، عالمٌ لا يغفلُ، وإذَا كان كذلك، فكان كلُّ ماصدر عنه حكمةً وصواباً، فعند ذلك يسكتُ ولا يعترضُ.
وأمَّا الصَّبرُ غير الجميل : فهو الصَّبرُ لسائر الأغراض، لا لأجل الرِّضا بقضاءِ الله سبحانه وتعالى والضَّابطُ في جميع الأقوال والأفعال والاعتقادات : أنه لكما كان لطلب عبودية الله تعالى كان حسناً وإلا فلا.
ثم قال :﴿ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾ أي : استعين بالله على الصَّبر على ما تكذبون.