﴿ ياحسرة عَلَى العباد ﴾ [ يس : ٣٠ ].
وقرأ ورش عن نافع :« يَا بُشْرَايْ » بسكون الياء، وهو جمع بين ساكنين على غير حدِّه في الوصل، وهذا كما تقدم في ﴿ عَصَايَ ﴾ [ طه : ١٨ ] وقال الزمخشري :« وليس بالوجهِ، لما فيه من التقاءِ السَّاكنين على غير حدِّه إلاَّ أن يقصد الوقف ».
وقرأ الجحدريُّ، وابن أبي إسحاق، والحسن :« يَا بُشْرَيَّ » بقلب الألف ياءً وإغامها في ياء الإضافة، وهي لغة هُذليَّةٌ، تقدم الكلام عليها في البقرة عند قوله :﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ﴾ [ البقرة : ٣٨ ].
وقال الزمخشري :« وفي قراءة الحسن :» يَا بُشْرَيَّ « بالياء مكان الألف جعلت الياءُ بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة، وهي لغةٌ للعرب مشهورةٌ، سمعت أهل السروات في دعائهم يقولون : يا سيِّديَّ، وموليَّ ».
قوله :« وأسَرُّوهُ » الظَّاهرُ أن الضمير المرفوع يعود على السَّيَّارة، وقيل : هو ضمير إخوته، فعلى الأول : أن الوارد، وأصحابه أخفوا من الرفقةِ أنهم وجدوهُ في الجبّ، وقالواك إن قلنا للسَّيَّارة التقطناه شاركونا، وإن قلنا : اشتريناه سألونها الشّركة، فلا يضرُّ أن نقول : إنَّ أهل الماءِ جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه بمصر.
وعلى الثاني : نقل ابنُ عبَّاسٍ : رضي الله عنهما « وأسَرُّوهُ » يعني إخوة يوسف أخفوا كونه أخاهم، بل قالوا : إنَّهُ عبدٌ لنا أبقَ منا، ووافقهم يوسف على ذلك؛ لأنهم توعَّدوهُ بالقتلِ بلسانِ العِبرانيَّةِ.
و ( بضاعَةً ) نصب على الحال. قال الزَّجَّاج كأنه قال :« وأَسرّوه حال ما جعلُوه بضاعةً »، وقيل : مفعول ثانٍ على إن يُضَمَّن « أَسَرُّوهُ » معنى صَيَّروه بالسِّرِّ.
والبضاعة : هي قطعةٌ من المالِ تعدُّ للتَّجارة من بضعت، أي : قطعت ومنه : المبضعُ لما يقطع به.
ثم قال :﴿ والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ والمعنى : أنَّ يوسف لما رأى الكواكبَ والشمس، والقمر في النَّوم سجدتْ له، وذكر ذلك؛ حسده إخوته، فاحتالُوا في إبطال ذلك الأمر عليه، فأوقعوه في البلاءِ الشَّديد، حتى لا يتم له ذلك المقصود؛ فجعل الله تعالى وقوعه في ذلك البلاءٍ سبباً لوصوله إلى « مِصْرَ »، ثمَّ تتابع الأمرُ إلى أن صار ملك مصر، وحصل ذلك الذي رآه في النَّوم، فكان العملُ الذي عمله إخوته دفعاً لذلك المطلوب، صيَّره الله سبباً لحصولِ ذلك المطلوب، ولهذا المعنى قال :﴿ والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾.
قوله :﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ ﴾ شَرَى بمعنى اشترى، قال الشاعر :[ الطويل ]