قوله :« أكْرمِي مَثوَاهُ »، أي : منزله، ومقامه عندك، من قولك : ثويتُ بالمكان، إذا أقمت فيه، ومصدره الثَّواء، والمعنى : اجعلي منزلته عندك كريماً حسناً مرضيًّا، بدليل قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ] قال المحققون : أمر العزيز امرأته بإكرام مثواهُ دون إكرام نفسه، يدلُّ على أنه كان ينظرُ إليه على سبيل الإجلال، والتعظيم.
﴿ عسى أَن يَنفَعَنَآ ﴾ أي : نبيعه بالرِّبح إذا أردنا بيعه، أو يكفينا إذا بلغ بعض أمورنا ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ نَتبنَّاهُ.
قال ابن مسعودٍ :« أفرْسُ النَّاس ثلاثة : العزيزُ في يوسف حيثُ قال لامرأته :﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عسى أَن يَنفَعَنَآ ﴾ [ يوسف : ٢١ ] وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى :﴿ استأجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين ﴾ [ القصص : ٢٦ ]، وأبو بكر في عمر حين استخلفه ».
قوله :﴿ وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ ﴾ الكاف كما تقدم في نظائره حالٌ من ضمير المصدر، أو نعتٌ له، أي : ومثل ذلك الإنجاء من الجبّ والعطف مكَّنا له، أي : كما أنجيناه، وعطفنا عليه العزيز مكَّنا له في أرض مصر، أي : صار متمكناً من الأمرِ والنهي في أرض مصر، وجلعناه على خزائنها.
قوله :﴿ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث ﴾ وهي تعبير الرُّؤيا. واللام في « ولنُعَلِّمُه » فيها أوجه :
أحدها : أن تتعلقَّق بمحذوف قبله، أي : وفعلنا ذلك لنعلمه.
والثاني : أنها تتعلَّق بما بعده، أي : ولنعلمه، فعلنا كيت، وكيت.
[ الثالث : أن يتعلَّق ب « مَكَّنَّا » على زيادة الواو ].
قوله :﴿ والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ ﴾ الهاء في « أمْرهِ » يجوز أن تعود على الجلالةِ أي : أنه تعالى :﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [ البروج : ١٦ ] لا يغلبه شيءٌ، ولا يردُّ حكمهُ رادٌّ، لا دافع لقضائه، ولا مانع من حكمه في أرضه، وسمائه. ويجوز أن تعود على يوسف، أي : أنه يدبره، ولا يكله إلى غيره، فقد كادوه إخوته، فلم يضروه بشيء ﴿ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أنَّ الأمر كله بيد الله.