وقال أبو البقاءِ :« والأضبهُ أن تكون الهمزةُ بدلاً من الياءِ، أو تكون لغة في الكلمة التي هي اسم للفعل، وليست فعلاً، لأن ذلك يوجب أن يكون الخطاب ليوسف ﷺ ». وهو فاسدٌ لوجهين :
أحدهما : أنَّهُ لم يَتهيَّأ لها، وإنَّما تَهيَّأت لهُ.
الثاني : أنه قال :« لَكَ، ولو أراد الخطاب لقال :» هِئْتَ لي «، وتقدم جوابه وقوله :» إنَّ الهمزة بدلٌ من الياء «. هذا عكس لغة العرب، إذ قد عهدناهم يبدلون الهمزة السَّاكنة ياء إذا انكسر ما قبلها، نحو :» بِير « و » ذِيب « ولا يقبلون الياء المكسور ما قبلها همزة، نحو : مِيل، ودِيك، وأيضاً : فإنَّ غيرهُ جعل الياء الصَّريحة مع كسر الهاء كقراءة نافع، وابن ذكوان محتملة؛ لأن تكون بدلاً من الهمزة، قالوا فيعودُ الكلامُ فيها، كالكلام في قراءة هشامٍ.
واعلم أنَّ القراءة التي استشكلها الفارسي هي المشهورةُ عن هشامٍ، وأمَّا ضمُّ التاء فغير مشهورٍ عنه.
ثمَّ إنَّهُ تعالى أخبر أنَّ المرأة لما ذكرت هذا الكلام، قال يوسف ﷺ ﴿ مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ » مَعاذَ اللهِ « منصوب على المصدر بفعل محذوفٍ، أي : أعوذُ بالله معاذاً، يقالُ : عَاذَ يعُوذُ عِيَاذاً [ وعِيَاذةً ]، ومعاذاً، وعوْذاً؛ قال :[ الطويل ]
قوله » إنَّهُ « يجوز أن تكون الهاء ضمير الشَّأن، ما بعده جملة خبرية له، ومراده بربه : سيِّده، ويحتمل أن تكون الهاء ضمير الباري تعالى، و » ربِّي « يحتمل أن يكون خبرها، و » أحسنَ « جملةٌ حاليةٌ لا زمةٌ، وأن تكون مبتدأ، » وأحْسنَ « جملة خبرية له، والجلمة خبر ل » أنَّ « وقرأ الجحدريُّ، وأبو الطفيل الغنوي » مَثْويَّ « بقلب الألف ياء، وإدغامها ك » بُشْرَيَّ « و » هُدَيَّ «.٣٠٧٥ مَعاذَ الإلهِ أن تكُونَ كَظبْيةٍ ولا دُمْيةٍ ولا عَقِيلةِ ربْرَبِ
و :﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ﴾ هذه الهاء ضمير الشأن ليس إلاَّ؛ » فعلى قولنا : إنَّ الضمير في قوله :﴿ إِنَّهُ ربي ﴾ يعود إلى زوجها قطفير، أي : إنه ربِّي سيِّدي، ومالكي أحسن مثواي حين قال لها :﴿ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾، فلا يليقُ بالعقل أن أجازيه على ذلك الإحسان بهذه الخيانة القبيحة وقيل : إنها راجعةٌ إلى الله تبارك وتعالى أي : أنَّ الله ربي أحسن مثواي، أي : تولاَّنِي، ومن بلاء الجبّ عافاني :﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون ﴾ يعني : إن فعلتْ هذا فخنته في أهله بعدما أكرم مثواي، فأنا ظالمٌ، ولا يفلحُ الظالمُونَ.
وقيل : أراد الزناةح لانهم ظالمون لأنفسهم؛ لأنَّ عملهم يقتضي وضع الشيء في غير موضعه.
فصل
ذكر ابنُ الخطيبِ هاهنا سؤالات :
الأول : أن يوسف ﷺ كان حراً، وما كان عبداً، فقوله :﴿ إِنَّهُ ربي ﴾ يكون كذباً، وذلك ذنبٌ وكبيرة.