الثاني : أنَّها أسرَّت إليهنَّ حبَّها ليوسف استكتمهُنَّ، فأفشين ذلك السرَّ؛ فلذلك سمَّاه مكراً.
الثالث : أنهن وقعن في الغيبة، والغيبة إنما تذكر على سبيل الخفيةِ، فأشبهت المكر.
﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ : قال المفسرون : اتخذت مأدبة، ودعت جماعة من أكابرهن، « وأعْتدَتْ » أي : أعدَّت « لهُنَّ مُتَّئاً ».
قرأ العامة :« مُتَّكئاً » بضم الميم، وتشديد التاءِ، وفتح الكاف والهمز، وهو مفعولٌ به، ب « أعْتَدتْ » أي : هيَّأتْ، وأحضَرتْ.
والمُتَّكأ : الشيءُ الذي يتكأ عليه، من وسادةٍ ونحوها، والمُتَّكأ : مكان الاتِّكاءِ، وقيل : طعام يُجزُّ جزًّا.
قال ابن عباسٍ، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ومجاهد رضي الله عنهم :« مُتَّكَئاً، أي : طعاماً، سمَّاه » مُتَّكَئاً « ؛ لأنَّ أهل الطعامِ إذا جلسوا، يتكئُون على الوسائدِ، فسمى الطعامُ متكئاً؛ على الاستعارة ».
وقيل :« مُتَّكئاً »، طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكِّين؛ لأنه إذا كان كذلك، احتاج الإنسانُ إلى أن يتكىء عليه عند القطع.
وقال القتبي : يقالُ : اتكأنا عند فلانٍ، أي أكلنا.
وقال الزمخشري : من قولك : اتكأنا عند فلانٍ، طعمنا على سبيل الكناية؛ لأنه من دعوتهُ ليطعمَ عندك اتخذت له تكأةً يتكىءُ عليها؛ قال جميلٌ :[ الخفيف ]

٣٠٨٣ فَظَلِلْنَا بنِعْمَةٍ واتَّكأنَا وَشَرِبْنَا الحلالَ مِنْ قُلَلِهْ
فقوله :« وشَرِبْنَا » مرشحٌ لمعنى « اتَّكأنَا » : أكلنا.
وقرأ أبو جعفر، والزهريُّ رحمهما الله :« مُتَّكأً » مشددة التاء، دون همزٍ، وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون أصله : متكأ « كقراءة العامَّة، وإنما خفف همزُهُ؛ كقولهم :» تَوضَّيْتُ « في توضَّأتُ، فصار بوزن » مُتَّقى «.
والثاني : أن يكون »
مُفْتَعَلاً « من أوكيتُ القِربَة، إذا شدَدْتَ فَاهَا بالوكاءِ.
فالمعنى : أعْتدَتْ شيئاً يَشْتدِدْنَ عليه؛ إمَّا بالاتِّكاءِ، وإمَّا بالقطْعِ بالسكِّين، وهذا الثاني تخريجُ أبي الفتحِ.
وقرأ الحسن، وابن هرمز :»
مُتَّكاءً « بالتشديد والمد، وهي كقراءةِ العامة، إلاَّ أنه أشبع الفتحة؛ فتولد منها الألفُ؛ كقوله :[ الوافر ]
٣٠٨٤................. ومِنْ ذمِّ الرِّجالَ بمُنْتزَاحِ
وقول الآخر :[ الكامل ]
٣٠٨٥ يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى أسيلٍ جَسْرَةٍ ........................
وقوله :[ الرجز ]
٣٠٨٦ أعُوذُ باللهِ من العَقرَابِ الشَّائِلاتِ عُقدَ الأذْنَابِ
بمعنى : بِمُنتزحٍ، وينبع، والعقرب الشَّائلة.
وقرأ ابن عباسٍ، وابن عمر، ومجاهدٌن وقتادة، والضحاك، الجحدري، وأبان بن تغلب رحمهم الله :»
مُتْكاً « بضمِّ الميم، وسكون التاء، وتنوين الكافِ، وكذلك قرأ ابن هرمزٍ، وعبدالله، ومعاذ؛ إلاَّ أنهما فتحا الميم.
والمُتْكُ : بالضم والفتح : الأترجُ، ويقال : الأترنج، لغتان؛ وأنشدوا :[ الوافر ]
٣٠٨٧ نَشْرَبُ الإثْمَ بالصُّواعِ جِهَارَا وتَرَى المُتْك بَيْنَنا مُسْتَعَارَا
قيل : هو من متك، بمعنى بَتَكَ الشيء، أي : قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء، وهو بدلٌ مطردٌ في لغة قومٍ، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقتم هذه.


الصفحة التالية
Icon