قال أبو حيَّان : وما ذكر أنها تفيد التنزيه في باب الاستثناء، غير معروفٍ عند النحويين، لا فرق في قولك : قَامَ القومُ إلاَّ زيداًن وقَامَ القوْمُ حَاشَا زيْد ولمَّا مثل بقوله : أساء القوم حاشا زيد، وفهم من هذا التمثيل براءة زيدٍ من الإساءةِن جعل ذلك مستفاداً منها في كل موضعٍ، وأما ما أنشده من قوله :[ الكامل ]
حَاشَا إبِي ثَوْبانَ... البيت.
فهكذا ينشدهُ ابن عطيَّة، وأكثر النحاة، وهو بيتٌ ركَّبوا فيه صدر بيتٍ على عجز آخر من بيتين، وهما :[ الكامل ]
٣٠٩٤ حَاشَى أبِي ثَوْبانَ إنَّ أبَا... ثَوْبانَ لَيْسَ بِبَكْمَةٍ فَدْمِ
عَمرو بنِ عَبْدِ اللهِ إنَّ بِهِ... ضنًّا عن المَلْحَاةِ والشَّتْمِ
قال شهابُ الدِّين :« قوله :» إنَّ المعنى الذي ذكره الزمخشريُّ لا يعرفه النحاة « ولم ينكروه؛ وإنما لم يذكروه في كتبهم؛ لأنَّ غالب : فَنِّهِمْ » صناعة الألفاظ دون المعاني، ولما ذكروا مع أدوات الاستنثاءِ « لَيْسَ »، و « لا يكُونُ » و « غَيْر »، لم يذكروا معانيها. إذ مرادهم مساواتها ل « إلاَّ » في الإخراج، وذلك لا يَمْنَع من زيادة معنى في تلك الأدوات «.
وزعم المبردُ، وغيره كابن عطيَّة : أنَّها تتعينُ فعليتها، إذا وقع بعدها حرف جرٍّ كالآية الكريمةن قالوا : لأن حرف الجرِّ لا يدخل على مثله إلا تأكيداً؛ كقوله :[ الوافر ]
٣٠٩٥......................... وَلا لِمَا بِهِمْ أبَداً دَواءُ
وقول الآخر :[ الطويل ]
٣٠٩٦ فأصْبَحنَ لا يَسْألنَهُ عَن بِمَا بِهِ.........................
فيتعيَّن أن يكون فعلاً فاعله ضمير يوسف، أي : حَاشَى يوسف، و » للهِ « جارٌّ ومجرورٌ، متعلق بالفعل قبله، واللام تفيد العلَّة، أي : حَاشَا يوسف أن يُقارِفَ ما رمته به؛ لطاعة الله، ولمكانه منه، أو لترفيع الله أن يرمى بما رمتهُ به، أي : جَانَبَ المعصية؟ لأجل الله.
وأجاب النَّاسُ عن ذلك : بأنَّ » حَاشَا « في الآية الكريمة، ليست حرفاً ولا فعلاً وإنَّما هي اسم مصدر بدلٌ من اللفظِ بفعله؛ كأنه قيل : تنزيهاً للهِ، وبراءة له، وإنما لم ينون؛ مراعاة لأصله الذي نقل منه، وهو الحرف، ألا تراهم قالوا :» مِنْ عَنْ يَمِينه « فجعلوا » عَنْ « اسماً، ولم يعربوه، وقالوا :» مِن عليه « فلم يثبتوا ألفه مع الضمر بل أبقوا » عَنْ « على بنائه، وقلبوا ألف » عَلى مع المضمر؛ مراعاة لأصلها، كذا أجاب الزمخشريُّ، وتابعه أبو حيَّان، ولم يَعزُ لهُ الجواب، وفيه نظرٌ؛ أما قوله :« مراعاة لأصله » فيقتضي أنه نقل من الحرفيَّة، إلى الاسمية، وليس ذلك إلاَّ في جانب الأعلام، يعني أنهم يُسمّون الشَّخص بالحرفِ، ولهم ذلك مذهبان : الإعرابُ، الحكايةٌ. أما أنهَم ينقلون الحرف إلى الاسم، أي : يجعلونه اسماً، فهذا غير معروف.