فأما قراءة أب عمرو، فإنه جاء فيها بالكلمةِ على أصلها، وأما الباقون : فإنهم ابتعوا في ذلك الرسم، ولما طال اللفظُ، حسن تخفيفه بالحذف، ولا سيَّما على قول من يدَّعي فعليتها، كالفارسيّ.
قال الفارسي :« وأما حذفُ الألف، فعلى : لمْ يَكُ، وَلا أدْرِ، وأصَابَ النَّاس جهدٌ، ولو تَرَ ما أهْلَ مَكَّة، وقوله :[ الرجز ]
٣٠٩٨ وصَّانِي العَجَّاجُ فِيمَا وَصَّني... في شعر رُؤبة، يريد : لَمْ يكن، ولا أدْرِي، ولو ترى، ووصَّاني »
. وقال أبو عبيدة : رأيتها في الذي يقال له إنه الإمامُ مصحف عثمان رضي الله عنه « حَاشَ لله » بغير ألف، والآخرى مثلها.
وحكى الكسائيُّ : أنه رآها في مصحف عبدالله، كذلك. قالوا : فعلى ما قال أبُوا عبيد، والكسائي : تُرجَّح هذه القراءةُ، ولأن عليها ستةٌ من السبعةِ.
ونقل الفراء : أن الإتمام لغةُ بعض العرب، والحذف لغة أهل الحجاز، قال : ومِنَ العرب من يقول « حَاشَى زَيْداً » أراد « حَشَى لزيدٍ »، فقد نقل الفراء : أنَّ اللغات الثلاثة مسموعةٌ ولكنَّ لغة أهل الحجازِ مُرجحةٌ عندهم.
وقرأ الأعمش، في طائفة « حِشَى للهِ » بحذف الألفين، وقد تقدم أنَّ الفراء حكاها لغة عن بعض العرب؛ وعليه قوله :[ الوافر ]

٣٠٩٩ حَشَى رَهْطَ النَّبيِّ......... ........................
لبيت.
وقرأ أبي، وعبد الله :« حَاشَى اللهِ » بجر الجلالةِ، وفيها وجهان :
أحدهما : أن تكون اسماً مضافاً للجلالة، نحو سبحان الله، وهو اختيارُ الزمخشريِّ.
والثاني : أنه حرف استنثاءٍ، جر به ما بعده؛ وإليه ذهب الفارسيُّ.
وفي جعله :« حَاشَا » حرف جرِّ مُراداً به الاستثناء، نظرٌ، إذْ لم يتقدم في الكلام شيءٌ يستثنى منه الاسم المعظَّم، بخلاف : قام القومُ حَاشَا زيدٍ، واعلم أنَّ النحويين لما ذكروا هذا الحرف، جعلوه من المتردِّد بين الفعلية، والحرفية كما عند من أثبت فعليّته، وجعله في ذلك ك « خَلاَ » و « عَدَ »، وهذا عند من أثبت حرفيته، وكان ينبغي أن يذكروه من المتردد بين الاسمية، والفعلية، والحرفية، كما فعلوا ذلك في « عَلَى » فقالوا : يتكون حرف جرٍّ في « عَلْكَ »، واسماً في قوله :« مِنْ عَليْه »، وفعلاً في قوله :[ الطويل ]
٣١٠٠ عَلاَ زَيْدُنَا يوْمَ النَّقَا....... .........................
وإن كان فيه نظرٌ، تلخيصه : أنَّ « عَلاَ » حال كونها فعلاً غيرُ « عَلَى »، حال كونها غير فعلٍ؛ بدليل أنَّ الألف الفعلية منقلبةٌ عن واوٍ، ويدخلها التصريفُ، والاشتقاقُ دون ذينك.
وقد يتعلق من ينتصر للفارسي بهذا، فيقول : لو كان « حَاشَا » في قراءة العامَّة اسماً، لذكر ذلك النحويون عند ترددها بين الحرفية، والفعلية، فلمَّا لم يذكروه، دلَّ على عدم اسميتها.


الصفحة التالية
Icon