قوله :« فاسْتَعْصمَ » في هذه السين وجهان :
أحدهما : أنها ليست على بابها من الطلب، بل « اسْتَفْعَل » هنا مبعنى « افْتَعَل » فاستعصم و « اعْتصَمَ » واحدٌ وقال الزمخشريُّ :« الاستعصام بناءُ للمبالغة يدلُّ على الامتناع البليغ، والتحفُّظ الشَّديد، كأنه في عصمةِ، وهو مجتهدٌ في الزيادة فيها، والاستزادة منها، ونحوه : اسْتمْسَكَ، واسْتوْسَعَ الفتقُ، واسْتجْمَعَ الرَّأيُ، واستفحل الخَطْبُ » فردّ السين إلى بابها من الطلبِ، وهو معنّى حسنٌ، ولذلك قال ابن عطية :« معناه طَلبَ العِصْمَةَ، واسْتمْسَكَ بها وعصاني » قال أبو حيان : ذكره التَّصريفيَّون في « اسْتَعْصَم » : أنه موافقٌ ل « اعتصم »، و « اسْتَفْعَلَ » فيه : موافق ل « افتعل » وهذا أجودُ من جعل « استعفل » فيه للطلبِ؛ لأن « اعْتَصَمَ » يدلُّ على اعتصامه، وطلبُ المعصمةِ لا يدلُّ على حصولها، وأما أنه بناءُ مبالغةٍ يدلُّ على الاجتهادِ في الاستزادة من العصمة، فلم يذكر التصريفيون هذا المعنى ل « اسْتَفْعَلَ »، وأما « اسْتَمْسكَ، واسْتَجْمَعَ الرأي، واسْتوْسَعَ الفَتْقُ، ف » اسْتَفْعَل « فيه لموافقةِ » افْتَعَلَ «، والمعنى : امتسك، واتسع، واجتمع، وأما » اسْتَفْحَلَ الخَطْبُ « ف » فاستَفْعَلَ « فيه موافقة ل » تَفعَّل « أي : تفَحَّل الخطب نحو » استْتَكْبرَ وتَكبَّرَ «.
قوله :»
مَا آمُرُهُ « في » مَا « وجهان :
أحدهما : مصدريةٌ.
والثاني : أنها موصولةٌ، وهي مفعولٌ بها بقوله :»
يَفْعَل «، والهاءُ في » آمرُرُهُ « تحتمل وجهين :
أحدهما : العودُ على »
مَا « الموصولة، وإذا جعلناها بمعنى الذي.
الثاني : العودُ على يوسف.
ولم يجوِّز الزمخشريُّ عودها على يوسف إلا إذا جعلت »
ما « مصدرية، فإنه قال : فإنْ قلت : الضميرُ في :» مَا آمُرُهُ « راجعٌ إلى الموصول أم إلى يوسف؟ قلتُ : بل إلى الموصول، والمعنى : ما آمرُ به، فحذف الجار؛ كما في قوله :[ البسيط ]

٣١٠٢ أمَرْتُكَ الخَيْرَ........... .........................
ويجوز أن تجعل » ما « مصدرية، فيعود على يوسف، ومعناه : ولئنْ لم يفعل أمري إيَّاه، أي : موجبُ أمري، ومُقْتَضَاهُ ».
وعلى هذا، فالمفعولُ الأول محذوفٌ، تقديره : ما آمره به، وهو ضمير يوسف عليه السلام.
قوله :﴿ وَلَيَكُوناً ﴾ قرأ العامة يتخفيف نون « وليَكُوناً »، ويقفون عليها بالألف؛ إجراءً لها مجرى التنوين، ولذلك يحذفونها بعد ضمةٍ، أو كسرةٍ، نحو : هل تقومون؛ وهل تقومين؟ في : هل تقومن؟ والنونُ الموجودة في الوقف، نونُ الرفع، رجعوا بها عند عدم ما يقتضي حذفها، وقد تقرر فيما تقدَّم أنَّ نون التوكيدِ تثقَّلن وتخفف، والوقفُ على قوله :« ليُسْجَنَنَّ » بالنُّونِ؛ لأنَّها مشددةٌ، على قوله :« وليَكُوناً » بالألف؛ لأنها مخففةٌ، وهي شبيهةٌ بنون الإعراب في الأسماءْ؛ كقولك : رأيتُ رجلاً، وإذا وقفت قلت : رجلا، بالألف، ومثله :


الصفحة التالية
Icon