فصل


احتجُّوا بهذه الآيةِ على أنَّ الإنسان لا ينصرفُ عن المعصية، إلاَّ إذا صرفه الله عنها.
قالوا : لأن هذه الآية تدلُّ على أنه إنْ لم يصرفه عن ذلك القبيح، وقع فيه. وتقريره : أنَّ الداعي إلى الفعل، والترْكِ، إن استويا، امتنع الفعل؛ لأن الفعل أحدْ رجحان الطرفين، ومَرْجُوحيَّة الطرفِ الآخرن وحصولهما حال استواء الطرفين جمع بين النقيضين؛ وهو محالٌ، فإن حص الرجحانُ في أحد الطرفين، فذلك الرجحانُ ليس من العبدِ، وإلا لذهبت المراتب إلى غير نهايةٍ، بل نقول : من الله تعالى، فالصَّرفُ عبارةٌ عن جعله مَرْجُوحاً؛ لأنه متى صار مَرْجُوحاً، صار ممتنع الوقوع؛ لأن الوقوع رجحانٌ، فلو وقع في حالِ المرجوحةِ، لحصل الرجحان حال حصولِ المرجوحيَّة، وهو مقتضى حصول الجمع بين النقيضين؛ وهو محالٌ.
فثبت بهذا أنَّ انصراف العبد عن القبيح ليس إلا الله من الله.
وأيضاً : فإنَّه كان قد حصل في « يُوسفَ » جميعُ الأسباب المرغِّبةِ في المعصية، وهو الانتفاعُ بالمالِ والجاه، والتَّمتُّع بالمطعومِ، فقد فويتْ دواعي الفعل، وضعفت الدَّواعي المعارضة لدواعي المعصيةِ؛ إذْ لو لم يحصل هذا التعارضُ، لحصل الترجيحُ للوقوع في المعصية خالياً عما يعارضه؛ وذلك يوجبُ وقوع الفعل، وهو المراد من قوله ﴿ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجاهلين ﴾ وفيه دليلٌ على أنَّ المؤمن إذا ارتكب ذنباً، يرتكبه عن جهالةٍ.
قوله :﴿ فاستجاب لَهُ رَبُّهُ ﴾، أجاب له ربُّهُ، ﴿ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ﴾ ؛ وذلك يدلُّ على أنَّ الصارف عنه، هو الله تعالى ﴿ إِنَّهُ هُوَ السميع ﴾ لدعائه، ﴿ العليم ﴾ بمكرهن.


الصفحة التالية
Icon