قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه :« لمَّا سَمِعَا قول يوسف صلوات الله وسلامه عليه قالا : مَا رَأيْنَا شَيْئاً إنَّما كُنَّا نلعَبُ »، قال يوسف :« قُضَيَ الأمْرُ الذي فِيهِ تَسْتفتيَانِ ».
فإن قيل : هذا الجوابُ الذي ذكره يوسف ﷺ ذكره؛ بناءً على أنَّ الوحي من قب لالله تعالى أو نباءً على علم التَّعبير.
والأول باطلٌ؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما نقل أنَّما ذكره على سبيل التعبير، وأيضاً قال الله :﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ﴾، ولو كان ذلك التعبير مبنيًّا على الوحي، كان الحاصلُ مه القطعُ واليقينُ، لا الظنُّ والتَّخمينُ.
والثاني أيضاً باطلٌ؛ لأن علم التعبير مبنيٌّ على الظنِّ، والقضاءُ : هو الإلزامُ الجزمُ والحكمُ البتُّ، فكيف بني الجزم والقطع على الظنِّ والحسبانِ؟.
والجواب : لا يبعد أن يقال : إنهما سألاه عن ذلك المنام، صدقا فيه أو كذبا، فإنَّ الله تعالى أوحى إليه أنَّ عاقبة كُلَّ واحدٍ منهما تكون على ذلك الوجهِ المخصوص، فملا نزل الوحيُ بذلك الغيب عند ذلك السؤال، وقع في الظنَّ أنَّه ذكره على سبيل [ التَّعبير ].
ولا يبعد أيضاً أن يقال : إنه بنى ذلك الجواب على علم التعبير.
وقوله « قُضِيَ الأمْرُ الَّذي فِيهِ تَسْتفْتيانِ » ما عنى به أنَّ الذي ذكره واقعٌ لا محالة، بل عنى أنَّ حكمه في تعبير ما سألاه عنه ذلك الذي ذكره.
قوله :« قُضِيَ الأمْرُ » قال الزمخشريُّ :« ما اسْتفْتَيَا في أمرٍ واحدٍ، بل في أمرين مختلفين، فما وجهُ التوحيدِ؟ قلتُ : المرادُ بالأمرِ ما أتهما به من سمِّ الملك، وما يُجِنَا من أ جله، والمعنى : فُرغَ من الأمر الذي عنه تسألان ».
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ ﴾، فاعلُ « ظنَّ » : يجوزُ أن يكون يوسف ﷺ إن كان تأويله بطريقِ الاجتهادِ، وأن يكون الشَّرابي إن كان تأويله بطريقِ الوحي، أو يكون الظنُّ بمعنى اليقين؛ كقوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ﴾ [ البقرة : ٤٦ ] و ﴿ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ ﴾ [ الحاقة : ٢٠ ] قال الزمخشريُّ. يعني أنه إن كان الظنُّ على بابه، فلا يستقيمُ إسناده إلى يوسف؛ إلاَّ ان يكون تأويله بطريق الاجتهاد، لأه منتى كان بِطَريقِ الوحْيِ، كان يَقِيناً؛ فينسب الظنُّ حينئذٍ للشرابيّ لا ليوسف ﷺ.
وأمَّا إذا كان الظنُّ بمعنى اليقينِ، فيصح نسبتُه إلى يوسف ﷺ إن كان تأويله بطريق الوحْيِ.


الصفحة التالية
Icon