فإن قلت : ذلك مما يشكل، وما نحنُ بسبيله لا إشكال فيه، ألا ترى أنه لم يقل : وبقرات سبع عجاف؛ لوقوع العلم بأن المراد البقرات قلت : ترك الأصل لا يجوز مع وقوع الاستغناء عما ليس بأصل، وقد وقع الاستغناء عن قولك : سبع عجاف عمَّا تقترحهُ من التمييز بالوصف « انتهى.
وهي أسئلةٌ وأجوبةٌ حسنة، وتحقيق السؤال الأول وجوابه : أنه يلزمُ من وصفِ التَّمييز بشيء وصف المميز به، ولا يلزم من وصف المميز وصف التمييز بذلك الشيء؛ بيانه : أنك إذا قلت :» عندي أربعة رجالٍ حسانٍ « بالجر، كان معناه : أربعةٌ من الرجال الحسانِ؛ فيلزُم حسنُ الإربعةِ؛ لأنهم بعض الرجالِ الحسانِ، وإذا قلت : عندي أربعة رجالٍ حسانٌ برفع حسان كان معناه : أربعةٌ من الرجال حسان، وليس فيه دلالة على وصف الرجال بالحسن.
وتحقيق الثاني وجوابه : أنَّ أسماء العدد لا تضافُ إلى الأوصاف إلا في ضرورة وإنما يجاء بها تابعة لأسماء [ العدد ] ؛ فيقال : عندي ثلاثةٌ قُرشيُّونَ، ولا يقال ثلاثة قرشيِّين بالإضافة إلا في شعرٍ، ثم أعترض بثلاثةٍ فرسانٍ، وأجاب بجريانِ ذلك مجرى الأسماء.
وتحقيقُ الثالث : أنه إنَّما امتنع » ثلاثةُ ضخامٍ « ونحوه؛ لأنه لا يعلم موصوفه، بخلاف الآية الكريمة، فإنَّ الموصوف معلومٌ، ولذلك لم يصرخ به.
وأجاب عن ذلك : بأنَّ الأصل عدم إضافةِ العددِ إلى الصِّفة كما تقدم، فلا يترك هذا الأصل مع الاستغناء عنه بالفرع.
وبالجملةِ : ففي هذه العبارةِ قلقٌ، هذا مُلخَّصُهَا.
ولم يذكر أبو حيَّان نصه ولا اعترض عليه، بل لخًّص بعض معانيه، وتركهُ على إشكاله.
فصل في اشتقاق »
عجاف «
جمعُ عجفاء : عِجَاف والقياس : عُجْف؛ نحو : حَمْرَاء، وحُمْر؛ حملاً له على سمانٍ؛ لأنَّه نقيضُه، ومن دأبهم حملُ النظير على النظيرِ، والنَّقيضِ على النقيض، قاله الزمخشريُّ
والعَجَفُ : شدةُ الهزالِ الذي ليس بعده هزال؛ قال :[ الكامل ]
قال الليث : العَجَفُ : ذهابُ السِّمن، والفِعْلُ : عجف يَعجفُ، والذَّكرُ : أعْجفُ، والأنثى : عَجْفاء، والجمع عِجَافٌ في الذكران والإناث.٣١٠٦ عَمْرُو الَّذي هَشَمَ الشَّريدَ لقَوْمِهِ ورِجَالُ مَكَّة مُسْنِتُونَ عِجَافُ
وليس في كلام العربِ : أفْعَلُ، وفعلاء، وجمعها على : فِعَالٍ غَيْر أعْجفُ، وعِجَاف، هي شاذة حملوها على لفظ سمانٍ، وعجافٍ؛ لأنهما نقيضان، ومن عادتهم حملُ النَّظيرِ على النظير، والنَّقيضِ على النَّقيضِ.
وقال الرَّاغب : هو من قولهم : نَصْلٌ أعجفُ، أي : رقيقٌ.
وعَجَفَتْ نفسي عن الطَّعام وعن فلانٍ : إذا نبت عنهما، وأعْجفَ الرَّجل أي : صارتْ [ إيله ] عِجَافاً.
» وأخَرَ يَابِساتٍ «، قوله :» وأخَرَ « نسقٌ على قوله » سَبْعَ « لا على » سُنْبُلاتٍ « ويكون قد حذف اسم العددِ، من قوله :» وأخَرَ يَابِساتٍ « والتقدير : سَبْعاً أخَرَ، وإنما حذف؛ لأنَّ التقسيم في البقرات نقيضُ التَّقسيم في السنبلات.