وقرأ أبو جعفر : الرُّيَّا [ وبابها الرؤيا ] بالإدغام؛ وذلك أنَّه قلب الهمزة واواً؛ لسكونها بعد ضمةٍ، فاجتمعت « واوٌ »، و « ياءٌ » وسبقت إحداهما بالسكون؛ فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياءُِ في الياءِ.
وهذه القراءة عندهم ضعيفةٌ؛ لأن البدل غير لازمٍ، فكأنَّه لم يوجد واوٌ؛ نظراً إلى الهزة.

فصل في معنى « تعبرون »


يقال : عَبَرْتُ الرُّؤيَا أعبرها عبارة، وعبَرةً بالتخفيف، قال الزمخشريُّ :« وهو الذي اعتمدهُ الأثباتُ، ورأيتهم يُنْكِرُونَ » عَبَّرتُ « بالتشديد، والتَّعبير والمُعبِّر » قال : وقد عثرتُ على بيتٍ أشده المبرِّد في كتاب الكاملِ لبعضِ الأعرابِ :[ السريع ]
٣١٠٨ رَأيتُ رُؤيَا ثُمَّ عبَّرتُهَا وكُنْتُ للأحْلامِ عَبَّارَا
قال وحقيقة تعبير الرؤيا : ذكرُ عاقبتها، وآخر أمرها؛ كما تقول : عبرتُ النَّهر إذا قطتعهُ حتَّى تبلغ آخرَ عرضه.
قال الأزهريُّ :« مأخوذٌ من العُبْرِ، وهو جانبُ النَّهر، ومعنى عبرتُ النَّهرَ والطريق : قطعتهُ إلى الجانب الآخر، فقيل لعابرِ الرؤيا : عابرٌ؛ لأنَّه يتأمل جانبي الرُّؤيا، ويتفكرُ في أطرافها وينتقل من أحد الطَّرفين إلى الآخر ».
قال بعضُ أهل اللغة : العينُ، والباءُ، والراءُ، تضعها العرب : لجوار الشيء، ومضيفه، وقلَّة تمكنه، ولبثه، وهو فعل، يقال : عبر الرؤيا : أخرجها من حال النَّوم إلى حال اليقظةِ، كعبور البحر من جانب إلى جانبٍ.
وناقة عبراء سفار، أي : يقطعُ بها الطريق ويعبرُ.
والشِّعرى : العبُورُ؛ لأنها عبرت المجرَّة.
والاعتبارُ بالشيء : هو التَّمثيلُ بينه وبين حاكيه.
والعبرةُ : الدَّمعةٌ؛ لعبورها العين، وخروجها من الجفنِ.
والعَنْبَرُ : منهح لأنَّ نونه زائدةٌ، وهو عبر لحي طفاوة على الماء لا يعرف معدته.
والعَنْبَرُ أيضاً سمكةٌ في البحرِ، والعنبرُ : اسمُ قبيلة، والعنبرُ : شدَّة الشتاء.
قال بعضهم : ثلاثةُ أشياء لا يعرف معدنها :
أحدها : العَنْبَرُ يجيءُ ظفاؤه على وجه الماءِ.
وثانيها : المومياء بأرض فارس، ومعناه : مُومٌ، أي : شمعُ الماء لا يعرف من أين يجيءُ، ولا من أين ينبع، يُعْمَلُ له حوضٌ في البحر وينصب عليه مصفاة كالغربال يجري منه الماء، وينبع منه تبقى المومياء؛ فتؤخذ إلى خزانة السُّلطان.
وثالثها : الكهلُ : وهو نوعٌ من الخَرزِ أصفر يطفو على وجهِ الماءِ في بحر المغرب وبحر طبرستان، ولا يعرف معدنه.
قوله جلَّ وعلا :﴿ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾، خبر متبدإ مضمر، أي : هي أضغاث، يعنون : ما قصصته علينا، والجملة منصوبةٌ بالقول.
والأضغاثُ : جمع ضِغْث بكسر الضاد وهو ما جمع من النبات، سواءٌ كان جنساً واحداً، أو أجناساً مختلطة.
قال بن الخطيب : بشرط أن يكون مما قام على ساقٍ، وهو أصغرُ من الحزمة، وأكبر من القبضة، فمن مجيئه من جنسٍ واحدٍ، قوله تعالى :﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ﴾ [ ص : ٤٤ ]، ويُروى أنه أخذ عثكالاً من نخلةٍ، وفي الحديث :« أنَّه أتي بمريضٍ وحب عليْهِ الحدُّ ففعل به ذلِكَ ».


الصفحة التالية
Icon