ومنه ما يكون مختلطاً مضطرباً، ولا يكون فيه ترتيبٌ معلومٌ، وهو المسمَّى بالأضغاث.
فقالوا : إنَّ رؤيا الملكِ من قسم الأضغاث، ثُمَّ أخبرُوا أنهم غير عالمينَ بتعبير هذا القسم، وفيه [ إبهام ] أنَّ الكامل في هذا العلم، والمُتبحِّر فيه يهتدي إليها، فعند هذه المقالة تذكَّر السَّاقي واقعة يوسف ﷺ لأنه كان يعتقدُ فيه كونه مُتَبحِّراً في هذا العلم.
قوله :« وادَّكَرَ » فيه وجهان :
أظهرهما : أنَّها جملة حالية، إمَّا من الموصول، وإما من عائده، وهو فاعل نَجَا.
والثاني : أنها عطف على نَجَا فلا محل لها؛ لنسقها على ما لا محل له.
والعامَّةُ على ادَّكَرَ بدالٍ مهلمة مشدَّدة، وأصلها : اذْتَكَرَ، افْتَعَلَ، من الذكر فوقعت تاءُ الافتعال بعد الدال؛ فأبدلت دالاً، فاجتمع متقارن؛ فأبدل الأول من جنس الثاني، وأدغم.
قال الزخشريُّ : وادَّكَرَ بالدال هو الفصيحُ.
وقرأ الحسن البصريُّ : بذالٍ معجمة. ووجَّهوها بأنه أبدل التَّاء ذالاً؛ من جنس الأولى، وأدغم، وكذا الحكمُ في مًُدِّكِر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والعامةُ : على ( أمة ) بضم الهمزة، وتشديد الميم، وتاء منونةِ، وهي المدة الطويلة.
وقرأ الأشهب العقيليُّ : بكسر الهمزة؛ وفسَّروها بالنعمةِ، أي : بعد نعمةٍ [ أنعم بها ] عليه؛ وهي خلاصه من السِّجن، ونجاته من القَتلِ؛ وأنشد الزمخشريُّ لعديِّ :[ الخفيف ]
٣١١٠ ثُمَّ بَعْدَ الفَلاحِ والمُلْكِ والإمْمَةِ | وارتْهُمُ هُناكَ القُبُورُ |
٣١١١ ألاَ لاَ أرَى ذَا أمَّةٍ أصْبَحَتْ بِهِ | فَتتْرُكُه الأيَّامُ وهيَ كَماهِيَا |
٣١١٢ أمِهْتُ وكُنْتُ لا أنْسَى حَدِيثاً | كَذاكَ الدَّهْرُ يُودِي بالعُقُولِ |
قال الزمخشري :« ومن قرأ بسكون الميم، فقد خُطِّىءَ ».
قال أبو حيَّان :« وهذه على عادته في نسبةِ الخطأ إلى القراء ».
قال شهابُ الدِّين رحمه الله : لَمْ يسنبْ إليهم خطأ؛ وإنما حكى أنَّ بعضهم خطَّأ هذا القارىء؛ فإنه قال :« خُطِّىءَ » بلفظ ما لم يسمَّ فاعله ولم يقل : فقد أخطأ، على أنَّه إذا صحَّ أنَّ من ذكره قرأ بذلك فلا سبيل إلى نسبة الخطأ إليه ألبتَّة.
وبَعْدَ منصوب ب « ادَّكَرَ » وقوله أنَا أنَبِّئُكمْ هذه الجملة هي المحكية بالقول.
وقرأ العامة أنَبِّئُكُمْ من الإنْباءِ، وقرأ الحسن أنا آتِيكُم مضارع أتى من الإتيانِ، وهو قريب من الأول.
فصل
لمَّا اعترف الحاضرون بالعجز عن الجواب، فذكر الشَّرابيُّ قول يوسف ﴿ اذكرني عِندَ رَبِّكَ ﴾