قال قتادةُ رحمه الله : زادهُ الله علمَ سنةٍ.
فإن قيل : لما كانت العِجافُ سَبْعاً، دلَّ على أنَّ السنين المجدبة لا تزيدْ على هذا العدد، ومن المعلوم أنَّ الحاصل بعد انقضاء القحطِ، هو الخصبُ، فكان هذا أيضاً من مدلُولاتِ المنامِ، فلم قلتم : إنَّه حصل بالوحي والإلهام؟.
فالجواب : هَبْ أنَّ تبدل القحْطِ بالخصب معلومٌ، وأما تفصيلُ الحال فيه، وهو قوله :﴿ فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ لا يعلمُ إلا بالوحي.
قوله يَعْصِرونَ قرأ الأخوان :« تَعْصِرُونَ » بالخطاب، والباقون بياء الغيبة، وهما واضحتان؛ لتقدم مخاطبٍ أو غائبٍن فكلُّ قراءةٍ ترجعُ إلى ما يليقُ بها.
و « يَعْصِرُونَ » يحتمل أوجهاً :
أظهرها : أنه من عصر العِنبِ، والزيتونِ، والسمسمِ، ونحو ذلك.
والثاني : أنَّه من عصر الضَّرع، إذا حلبه.
والثالث : أنه من العصرةِ، وهي النجاةٌ، والعُصْر : المنجي. وقال أبو زيد في عثمان رضي الله ع نه :[ الخفيف ]
٣١١٣ صَادِياً يَسْتغِيثُ غَيْرَ مُغاثٍ | ولقَدْ كَان عُصْرةَ المَنجُودِ |
أحدهما : أنها من عصره، إذا أنجاه : قال الزمخشريُّ :« وهو مطابق للإغاثةِ ».
والثاني : قاله قُطربٌ أنَّهما من الإعْصارِ، وهو إمطار السحابةِ الماء؛ كقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ [ النبأ : ١٤ ]، وقال الزمخشريُّ : وقُرىء :« يُعْصَرُون، تُمْطرُونَ »، من أعصرتِ السَّحابةُ، وفيه وجهان :
إمَّا أن يضمَّن أعصرت معنى مُطِرَت، فيعدّى تعْدِيتَه، وإما أن يقال : الأصلُ : أعْصِرَتْ عليهم، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى ضميرهم أو يسندُ الإعصارُ إليهم؛ مجازاً، فجعلوا معصرين.
وقرأ زيد بن عليّ :« تِعِصّرُون » بكسر التاء، والعين، والصاد مشددة، وأصلها يعْتَصِرُون، فأدغم التاء في الصاد، وأتبع العين للصادِ، ثمَّ أتبعَ التاء للعين وتقدم [ تقريره ] في قوله ﴿ إِلاَّ أَن يهدى ﴾ [ يونس : ٣٥ ].
ونقل النقاشُ قراءة « يُعَصِّرُونَ » بضمِّ الياء، وفتح العين، وكسر الصّاد مشددة؛ من « عَصَّر » للتكثير، وهذه القراءة، وقراءة زيدٍ المقتدمة، تحتملان أن يكونا من العصرِ للنبات، أو الضَّرع، أو النَّجاة؛ كقول الشاعر :[ الرمل ]
٣١١٤ لَوْ بِغيْرِ الماءِ حَلقِي شَرقٌ | كُنْتُ كالغَصَّانِ بالمضاءِ اعتِصَارِي |