قوله :« نَكْتَلْ » قرأ الأخوان : بالياءِ من تحتُ، أي : يَكِيلُ أخونا.
والباقون بالنون، أي : نَكِيلُ نحنُ، وهو الطعامُ، وهو مجزومٌ على جواب الأمرِ.
ويحكى أنَّه جرى بحضرةِ المتوكِّل، أو وزيره ابن الزَّيات : بين المازنِيّ، وابنِ السِّكيت مسألةٌ، وهي : ما وزنُ « نَكْتَل » ؟ فقال يعقوبُ : نَفْتَل، فَسَخِرَ بِهِ المازني وقال : إنَّما وزنُها نَفْتَعِل.
قال شهابُ الدِّين رحمه الله :« وهذا ليس بخطأح لأنَّ التَّصريفيين نصُّوا على أنَّه إذا كان في الكلمةِ حذفٌ أو قلبٌ حذفت في الزنة، وقلبت، فتقول في وزن : قُمْتُ، وبعِْتُ : فُعْتُ، وفِعْتُ، ووزن » عِدَة « » عِلَة «، وإن شئت أتيتَ بالأصل؛ فعلى هذا لا خطأ في قوله : وزن » نَكْتَلْ « : نَفْتَل؛ لأنه اعتبر اللفظ، لا الأصل، ورأيت في بعض الكتب أنَّ وزنها :» نَفْعَل « بالعينِ، وهذا خطأٌ محضٌ، على أنَّ الظاهر من أمر يعقوب أنه لم يتقنْ هذا، ولو أتقنه لقال : وزنه على الأصل كذا، وعلى اللفظ كذا، ولذلك أنحى عليه المازنيُّ، فلم يرد عليه بشيء ».
ثم قال سبحانه وتعالى :﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ضمنوا كونهم حافظين له : لما قالوا ذلك، قال يعقوب ﷺ ﴿ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ ﴾ والمعنى : أنكم ذكرتم مثل هذا الكلام في يوسف، وضمنتم لي حفظه حيث قلت :﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ وهاهنا ذكرتم هذا اللفظ بعينه، فهل يكون هاهنا إلا ما كان هناك، فكما لا يحصل الأمانُ هناك لا يحصلُ هنا.
قوله :﴿ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ ﴾ منصوبٌ على نعتِ مصدرٍ حذوفٍ، أو على الحال منه إي : إلاَّ أئتماناً كائتمانه لكم على أخيه، شبه ائتمانه لهم على هذه بائتمانه لهم على ذلك، و « مِن قَبْلُ » متعلق ب « أمِنْتُكمْ ».
قال :﴿ فالله خَيْرٌ حَافِظاً ﴾، قرأ الأخوان، وحفص « حَافِظاً » وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه تمييزٌ؛ كقوله : هو خيْرهُمْ رجُلاً، واللهِ دَرُّهُ فَارِساً.
قال أبُو البقاءِ :« ومثلُ هذا يجُوزُ إضافته » وقد قرأ بذلك الأعمشُ : فاللهُ خيرُ حافظٍ « والله تعالى متَّصفٌ بأن حفظهُ يزيدُ على حفظِ غيره؛ كقولك : هُوَ أفضلُ عالمٍ
والثاني : أنه حالٌ ذَكَر ذلك الزمخشريُّ وأبُوا البقاءِ، وغيرهما.
قال أبو حيَّان : وقد نقله عن الزمخشري وحده :» وليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ فيه تقييدَ خيرٍ بهذه الحال «.
قال شهابُ الدِّين :» ولا محذُور، فإنَّ هذه الحال لازمةٌ؛ لأنَّها مؤكدةٌ لا مبينةٌ وليس هذا بأول حال وردتْ لازمةً «.
وقرأ الباقون » حِفْظاً « ولم يجيزُوا فيهاغير التَّمييزِ؛ لأنَّهم لو جعلوها حالاً، لكانت من صفة ما يصدقُ عليه » خَيْرٌ « ولا يصدقُ ذلك على ما يصدق عليه » خَيْرٌ « ؛ لأن الحفظ معنى من المعاني.