قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ ﴾ الآية : المتاعُ : ما يصلح لأن يُستمتع به، وهو عامًّ في كلِّ ما يُسْتَمْتعُ به، والمراد به ههنا : الطعامُ الذي حملوه، ويجوز أن يرادُ به أوعيةُ الطعام، ﴿ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ ﴾، ثمن البضاعة.
﴿ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ﴾ ؛ قرأ الأكثرون بضمِّ الراء، وقرأ علقمة ويحيى، والأعمش :« رِدَّتْ » بكسر الرَّاءِ، على نقل حركة الدَّال المدغمةِ إلى الراء بعد توهُّم خلوها من حركتها، وهي لغةُ بني ضبَّة.
على أنَّ قطرُباً حكى عن العرب : نقل حركةِ العين إلى الفاء في الصحيح؛ فيقولون : ضِرْبُ زَيْد، بمعنى : ضُرِبَ زيد، و قد تقدم ذلك في قوله :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ] في الأنعام.
قوله :« مَا نَبْغِي » في « مَا » هذه وجهان :
أظهرهما : أنها استفهاميةٌ، فهي مفعولٌ مقدمٌ، واجبُ التقديم؛ لأن لها صدر الكلام، أي : أيَّ شيء نبغِي، أعطانا الطعام على أحسنِ الوجوه، فأي شيء نبغي وراء ذلك.
والثاني : أن تكون نافية ولها معنيان :
أحدهما : قال الزجاج رحمه الله : ما بقي لنا ما نطلبُ، أي : بلغَ الإكرامُ إلى غايةٍ، ما نَبْغِي وراءها شيئاً آخر. وقيل : المعنى أنَّه ردَّ بضاعتنا إلنا، فنحن لا نَبْغِي عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى، فإنَّ هذه التي معنا كافية لنا.
والثاني : ما نَبْغِي، من البَغْيِ، أي : ما أفْتريْنا، ولا كذبنا على هذا الملك في إكرامهِ وإحسانه.
قال الزمخشريُّ :« ما نَبْغِي في القولِ، ومانتزيَّد فيما وصفنا لك من إحسانِ الملكِ ».
وأثبت القرأء هذه الياء في « نَبْغِي » وصلاً ووقفاً، ولم يجعلوها من الزَّوائد، بخلاف التي في الكهفِ، في قوله عزَّ وجلَّ :﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾ [ الكهف : ٦٤ ]، والفرقُ أنَّ « ما » هناك موصولةٌ، فحذف عائدها، والحذف يؤنس بالحذف.
وهذه عبارةٌ مستفيضة عند أهلِ هذه الصناعة؛ يقولون : التغييرُ يُؤنسُ بالتغيير، بخلافها هنا، فإنها : إما إستفهاميةٌ، وإما نافيةٌ، ولا حذف على القولين حتى يؤنس بالحذفِ.
وقرأ عبدالله، وأبو حيوة، وروتها عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ :« ما تَبْغِي » بالخطاب و « مَا » تحتملُ الوجهين أيضاً في هذه القراءةِ، والجملة من قوله :« هَذِه بِضَاعَتُنَا » يحتملُ أن تكون مفسرةً لقولهم « مَا نَبْغِي » وأن تكون مستأنفة.
قوله « ونميرُ » معطوفةٌ على الجملة الاسميةِ، وإذا كانت « مَا » نافية جاز أن تعطف على « نَبْغِي » فيكون عطف جملة فعلية على مثلها.
وقرأت عائشة، وأبو عبد الرحمن رضي الله عنهما « ونُمِيرُ » من أمارهُ إذا جعل لَهُ المِيرَة، يقال : مَارَهُ يَمِيرهُ، وأمَارَهُ يُمِيرُه، والمِيرَةُ : جَلْبُ الخَيْرِ؛ قال :[ الوافر ]