فعند ذلك جعل السِّقاية في طعام أخيه بنيامين، إمَّا بنفسه بحيثُ لم يطِّلعْ عليه أحدٌ، أو أمر أحداً من بعض خواصه بذلك، ثمَّ ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتَّى نزلوا منزلاً.
وقيل : حتَّى خرجوا من العمارة، ثمَّ بعث خلفهم من استوقفهم، وحبسهم.
﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ﴾ نادى منادٍ :﴿ أَيَّتُهَا العير ﴾، وهي القافلةُ التي فيها الأحمال، يقال : أذَّن، أي : أعلمَ.
وفي الفرق بين « أذَّنَ »، و « آذَنَ » وجهان :
قال ابن الأنباريِّ :« أذن بمعنى أعلم إعلاماً بعد إعلام، لأنَّ » فعَّل « يوجب تكرير الفعل، قال : ويجوز أن يكون إعلاماً واحداً، من قبل أنَّ العرب يجعل فعَّل بمعنى أفعل، في كثير من المواضع ».
وقال سيبويه : الفرقُ بين أذنتُ وآذنْتُ معناه : أعلمتُ، لا فرق بينهما والتَّأذينُ معناه : النِّداءُ، والتَّصويتُ بالإعلام.
﴿ أَيَّتُهَا العير ﴾ منادى حذف منه حرف النِّداء، والعير مؤنثٌ، ولذلك أنث أي المتوصل بها إلى ندائه، والعير فيها قولان :
أحدهما : أنها في الأصل جماعة الإبل، سُمِّت بذلك؛ لأنها تعير، أي : تذهب وتجيء به.
والثاني : أنَّها في الأصل قافلة الحمير؛ كأنها جمع عير، والعِيرُ : الحِمارُ؛ قال الشاعر :[ البسيط ]

٣١٢١ ولاَ يُقِيمُ عَلى ضَيْمٍ يُرادُ بِهِ إلاَّ الأذَلانِ عَيْرُ الحيِّ والوَتِدُ
وأصلُ « عُيْرٌ »، بضم العين، ثمَّ فعل به ما فعل ب « بيض »، والأصل [ بُيض ] بضم الأول، ثم أطلق العير على كلِّ قافلة حميرٍ كُنَّ أو غيرها، وعلى كلِّ فتقدير نسبة النداء إليها على سبيل المجاز؛ لأنَّ المنادى في الحقيقة أهلها، ونظره الزمخشريُّ بقوله :« يَاخَيْل اللهِ ارْكبِي » ولو التفت لقال : اركَبُوا «. ويجوز أن يعبر عن أهلها بها للمجاورة، فلا يكون من مجاز الحذف، بل من مجاز العلاقة، وتجمعه العرب قاطبةٌ على » عيرات « بفتح الياءِ، وهذا ممَّا اتُّفق على شذوذِهِ؛ لأن فعلة المعتلة العين حقها في جمعها بالألف والتاء أن تسكن عينها، نحو : قِيمَة وقِيمَات، ودِيمَة ودِيمَات، وكذلك » فِعْل « دون ياء إذا جمع حقه أن تسكن عينه؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٣١٢٢ غَشِيتُ دِيَارَ الحيِّ بالبَكرَاتِ فعَارِمَةٍ فبُرْقَةِ العِيَراتِ
قال الأعلمُ الشَّنتمَرِيُّ : العِيرَات هنا موضع الأعيار، وهي الحمر.
قال شهابُ الدِّين :»
وفي عِيرَات « شذوذ آخر، وهو جمعها بالألف، والتَّاء مع جمعها على أعيار أيضاً جمع تكسيرٍ، وقد نصُّوا على ذلك، قيل : ولذلك لحن المتنبي في قوله :[ الطويل ]
٣١٢٣ إذَا كَانَ بَعَث النَّاسِ سُيْفاً لِدوْلَةٍ فَفِي النَّاس بُوقاتٌ لهَا وطُبُولُ
قالوا : فجمع :»
بُوقاً « على :» بُوقَات « مع تكسيرهم له على » أبْوَاق «.
وقال أبُو الهيثم :»
كلُّ ما يسير عليه من الإبل، والحمير، والبغال فهو عير خلافاً لقول من قال : العيِرُ : الإبلُ خاصَّة «.


الصفحة التالية
Icon