الوجه الثاني من الأوجه المتقدمة : أن يكون :« جَزَاؤهُ » مبتدأ، والهاء تعود على المسروق، و ﴿ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ خبره، و « مَنْ » بمعنى الذي، والتقدير : جزاء الصّواع الذي وجد في رحله.
ولذلك كانت شريعتهم يسترق السَّارق؛ لذلك استفتوا في جزائه، وقوله :﴿ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ متبدأ، وخبر مؤكدٌ لمعنى الأولد، ولما ذكر أبو حيَّان هذا الوجه ناقلاً له عن الزمخشريُّ، قال :« وقال معناه ابنُ عطيَّة إلاَّ أنَّهُ جعل القول الواحد قولين، قال : ويصحُّ أن يكون » مَنْ « خبراً على أن المعنى : جزاء السَّارق من وجد في رحله، ويكون قوله :﴿ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ زيادة بيانٍ وتأكيد، ثم قال : ويحتمل أن يكون التقدير : جزاؤه استرقاق من وجد في رحله، ثم يؤكد قوله :﴿ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾، وهذا القول هو الذي قبله غير أنَّهُ أبرز المضاف المحذوف في قوله : استرقاق من وجد في رحله، وفيما قبله لا بدَّ من تقديره؛ لأنَّ الذَّات لا تكُون خبراً عن المصدرِ، فالتَّقدير في القول قبله : جزاؤهُ أخذ من وجد في رحله أو استرقاقه، هذا لا بُدَّ منه على هذا الإعراب.
وهذا ظاهره، أنه جعل المقول الواحد قولين.
الوجه الثالث من الأوجه المتقدمة : أن يكون :» جَزاءهُ « خبر مبتدأ محذوف أي : المسئول عنه جزاؤه، ثمَّ أفتوا بقولهم :﴿ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ كما تقول : من يَسْتَفتِ ] في جزاء صَيْدِ المحرمِ جزاءُ صَيْدِ المحرمِ، ثمَّ يقول :﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] قاله الزمخشري.
قال أبو حيَّان :» وهو متكلف، إذ تصير الجملة من قوله « المسئول عنه جزاؤه » على هذا التقدير، ليس فيه كبير فائدة، إذ قدلم علم من قوله :« فما جَزاؤهُ » أي الشيء المسئولُ عنه جزاء سرقته، فأيُّ فائدة في نطقهم بذلك، وكذلك القول في المثال الثَّاني الذي مثل به من قول المستفتي «.
قال شهابُ الدِّين :» قوله :« ليس فيه كبيرة فائدة » ممنوعٌ، بل فيه فائدة الإضمار المذكور في علم البيان، وفي القرآن أمثال ذلك «.
الوجه الرابع : أني كون » جَزَاؤهُ « مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره : جزاؤه عندنا كجزائه عندكم، والهاء تعود على السَّارق، أو على المسروق، وفي الكلام المتقدِّم دليل عليهما، ويكون قوله :﴿ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ على ما تقدَّم في الوجه الذي قبله وبها الوجه بدأ أبُوا البقاءِ رحمه الله ولم يذكره الشَّيخُ.
قوله :﴿ كذلك نَجْزِي الظالمين ﴾ محل الكاف نصب إمَّا على أنَّها نعت لمصدر محذوفٍ، إمَّا حال من ضميره، أي : مثل ذلك الجزاء الفضيع نجزي الضالمين أي : إذا سرق استرق.
قيل : هذا من بقيَّة كلام أخوة يوسف صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل : إنهم لما قالوا :﴿ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ قال أصحاب يوسف :﴿ كذلك نَجْزِي الظالمين ﴾ ماليس لهم فعلُهُ من سرقة مال الغير، فعند ذلك قال لهم المؤذن : لا بُدَّ من تفتيش أوعيتكم، فانصرف بهم إلى يوسف.