قوله :﴿ فَقَدْ سَرَقَ ﴾ الجمهور على « سرقَ » مخففاً مبنيًّا للفاعل، وقرأ أحمدُ بن جبير الأنطاكيُّ، وابن شريحٍ عن الكسائيِّ، والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين :« سُرِّقَ » مشدداً مبينًّا للمفعول أي : نسب إلى السرقة؛ لأنَّهُ ورود في التَّفسيرِ : أنَّ عمته ربته، فأخذاهُ أبوه منها؛ فشدت في وسطه منطقة كانوا يتوارثونها من إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ففتشوا فوجودها تحت ثيابه، فقالت : هو لي، فأخذته كما في شريعتهم، ومن هنا تعلم يوسف وضع السِّقاية في رحل أخيه، كما فعلت به عمَّتهُ، وهذه القراءة منطبقةٌ على هذا.
وقال سعيدُ بن جبيرٍ : كان لجدِّهِ أبي أمه صنمٌ يعبده، فأخذه سراً، وكسره وألقاهُ في الطَّريق.
وقال مجاهدٌ : أخذ بيضةً من البيتِ فأعطاها سائلاً. وقيل : دجاجة وقال وهبٌ رحمه الله : كان يُخبىءُ الطَّعام من المائدة للفقراء فقالوا للملك : إنَّ هذا ليْسَ بغَريبٍ منهُ، فإنَّ أخاهُ الَّذي هلك كان أيضاً سارقاً، أي إنَّا لسنا على طريقته، ولا على سيرته، وهو وأخوه مختصان بهذه الطَّريقةِ؛ لأنهما من أم أخرى.
قوله :« فأسرَّها » قال بعضهم : الضَّمير المنصوب مفسَّر لسياق الكلام، أي : فأسرَّ الحزازة التي حصلت له من قولهم :﴿ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ ﴾ ؛ كقوله :[ الطويل ]
٣١٢٩ أمَاوِيَّ ما يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتَى | إذَا حَشْرجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدرُ |
وقد جعل بعضهم البيت ممَّا فُسِّر فيه الضمير بذكْرِ ما هُو كلُّ لصاحبِ الضَّمير، فلا يكُونُ ممَّا فُسِّر فيه بالسِّياقِ.
وقال الزخشريُّ إضمارٌ على شريطةِ التَّفسيرِ، يفسره « أنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً » وإنَّما أنَّث؛ لأن قوله :« شَرٌّ مَكَاناً » جملة، أو كلمة على تسميتهم الطَّائفة من الكلام كلمة، كأنَّه قيل : فأسر الجملة، أو الكلمة التي هي قوله :﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ قال : لأن قوله :﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ بدل من « أسَرَّها ».
قال شهابُ الدِّينك وهذا عند من يبلد الظاهر من المضمر في غير المرفوع؛ نحو ضَرَبتهُ زيداً، والصحيح وقوعه؛ كقوله :[ الرجز ]
٣١٣٠ فَلاَ تَلُمْهُ أنْ يَخَافَ البَائِسَا... وقرأ عبدالله وابنُ أبِي عبلة :« فأسَرَّهُ » بالتَّذكيرِ قال الزخشريُّ « يريد القول، أو الكلام ».
وقيل : في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، وتقديره : قال في نفسه :﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ وأسرَّها أي هذه الكلمة.
قال شهاب الدين : ومثل هذا ينبغي ألاَّ يقال، فإنَّ القرآن ينزَّهُ عنه و « مَكَاناً » تتميز، أي : منزلة من غيركم، والمعنى : أنتم شرٌّ منزلاً عند الله ممن رميتموه بالسَّرقةِ في صنيعكم بيوسف؛ لأنه لم يكن من يوسف سرقة حقيقة، وخيانتكم حقيقة.