﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ﴾ : أي تفضل علينا بما بين الثمنين الجيّد، والرَّديء، وسامحنا ولا تنقصنا.
وقال ابن جريج، والضحاك، أي : تصدَّق علينا بردِّّ أخينا لنا :﴿ إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين ﴾ يثيب المتصدقين.
قال الضحاك : لم يقولوا : إنَّ الله يجزيك؛ لأنَّهم لم يعلموا أنَّه مؤمنٌ.
وسُئل سفيان بن عيينة : هل حرمت الصدقة على نبيّ من الأنبياء سوى نبيِّنا صلوات الله وسلامه عليه ؟.
قال سفيان : ألم تسمع قوله :﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين ﴾.
يريد : أنَّ الصَّدقة كانت حلالاً لهم، وأنكر الباقون ذلك، وقالوا : حالُ الأنبياء وحالُ أولادِ الأنبياء في طلب الصَّدقة سواء؛ لأنَّهم يأنفون من الخضوع إلى المخلوقين ويغلب عليهم الانقطاع إلى الله، والاستغناء به عمَّنْ سواه.
وروي عن الحسنِ ومجاهدٍ : أنَّهما كرها أن يقول الرَّجل في دعائه : اللَّهُمَّ تصدَّق علينا، قالوا : لأنَّ الله لا يتصدَّق، وإنَّما التَّصدُّق بمعنى الثَّواب، وإنما يقول اللَّهُمَّ أعطني وتفضَّل علينا.

فصل


قال القرطبيُّ :« استدلًَّ العلماء بهذه الآية على أنَّ أجرة الكيال على البائع، لقولهم ليسوف ﷺ » فأوْفِ لَنَا الكَيْلَ « فكان يوسفُ هو الذي يكيل، وكذلك الوزَّانُ، العدَّادُ وغيرهم؛ لأنَّ الرَّجُلَ إذا باع عدّة من طعامه معلومة، وأوجب العقد عليه؛ وجب عليه أن يبرزها، ويُمَيِّز حقَّ المشتري من حقِّه إلا إن كان المبيعُ فيه معيناً صبره، أو ما ليس فيه حق موفيه، فيخلي ما بينه وبينه، وما جرى على المبيع فهو ضمان المبتاع، وليس كذلك ما يتعلَّق به حقُّ موفيه من كيل أو وزنٍ، ألا ترى : أنَّه لا يستحقُّ البائع الثمن إلاَّ بعد التَّوفية، كذلك أجرة النقد على البائع أيضاً؛ لأنَّ المتباع الدَّافع لدراهمه يقول : إنَّها طيبة فأنت الذي تدّعي الرَّداءة، فانظر لنفسك، فيقع له فكان الأجرُ عليه، وكذلك لا يجبُ أجرة القاطع على من يجب عليه القصاص لأنه لا يجب عليه أن يقطع نفسه، ولا أن يمكن من ذلك طائعاً؛ ألا ترى أنَّ فرضاَ عليه أن يفدي يده، ويصالح عليه، إذا طلب المقتص ذلك.
وقال الشَّافعيُّ : إن الأجرة على المقتص منه كالبائع؛ لأنَّه يجب عليه تسليم يده.

فصل


روي : أنهم لما قالوا :﴿ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر ﴾ وتضرَّعُوا إليه، أدركته الرِّقَّة، فارفضَّ دمعه، فباح الذي كان يكتمُ، فقال :﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ وقيل : دفعوا إليه كتاب يعقوب، فلما قرأ الكتاب ارتعدت مفاصله واقشعرَّ جلدهُ، ولانَ قلبه، وكثر بكاؤه؛ فصرح بأنه يوسف.
قوله :﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ ﴾ يجوز أن تكون استفهامية للتَّوبيخ، وهو الأظهر وقيل : هو خبر و »
هَلْ « بمعنى » قَدْ «.


الصفحة التالية
Icon