وهذا الوجه الذي ذكرهُ هنا شرٌّ من ذلك؛ لأنَّه قلب النَّفي إثباتاً، والإثبات نفياً، وتجويزه بفتح باب ألاَّ يعتمد على القرآن لا في نفيه، ولا في إثباته، وحينئذٍ يبطل القرآن بالكُلِّيَّة، وهذا بعينه هو الجواب عن قوله المراد فيه الاستفهام، بمعنى : الإنكار، فإنَّ تجويزهُ يوجبُ تجويز مثله في سائر المواضع، فلعله - تعالى - إنما قال :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة ﴾ [ البقرة : ٤٣ ] على سبيل الإنكار والتعجُّب، ثم قال :﴿ رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ ﴾.
قال مجاهد : أهلكها، والطَّمسُ : المَسْخُ.
وقال أكثر المفسرين : مسخها الله وغيَّرها عن هيئتها.
قال ابن عبَّاس : بلغنا أنَّ الدَّراهم والدَّنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها، صحاحاً وأنصافاً، وأثلاثاً، وجعل سكنهم حجارة.
قال محمد بن كعب :« كان الرجل مع أهله في فراشه، فصارا حجرين، والمرأة قائمة تخبز فصارت حجراً » ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا أهل فرعون، فأخرج منها البيضة منقوشة، والجوزة مشقوقة وهي حجارة.
﴿ واشدد على قُلُوبِهِمْ ﴾ أي : أقسها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان.
قال الواحدي :« وهذا دليلٌ على أنَّ الله يفعل ذلك بمن يشاء، ولولا ذلك لما حسن من موسى هذا السُّؤال ».
قوله :« فَلاَ يُؤْمِنُواْ » يحتمل النَّصْبَ والجزمَ، فالنَّصْب من وجهين :
أحدهما : عطفهُ على « لِيُضِلُّوا ».
والثاني : نصبه على جواب الدُّعاءِ في قوله :« اطْمِسْ »، والجزم على أنَّ « لا » للدُّعاءِ، كقولك : لا تُعذِّبْنِي يا ربِّ، وهو قريبٌ من معنى :« لِيُضلُّوا » في كونه دعاءً، هذا في جانب شبه النَّهي، وذلك في جانب شبه الأمر، و « حتَّى يروا » : غايةٌ لنفي إيمانهم، والأولُ قول الأخفش، والثاني بدأ به الزمخشري، والثالث : قول الكسائي، والفرَّاء؛ وأنشد قول الشاعر :[ الطويل ]



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٢٩٣٢- فلا يَنْبَسِطْ منْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ ولا تَلْقَنِي إلاَّ وأنفُكَ راغمُ